كتاب المدخل لابن الحاج (اسم الجزء: 1)

عِنْدَهُ مِنْ الْأَلْوَانِ كَذَا وَكَذَا حَتَّى لَا يَكْتَفُوا مِنْ الْأَوَّلِ، وَقَدْ يَكُونُ فِيهِمْ مَنْ لَوْ عَلِمَ بِالطَّعَامِ الثَّانِي لَانْتَظَرَهُ فَإِذَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ وَأَتَى بِهِ وَحْدَهُ عَلَى كِفَايَةٍ مِنْ الْأَوَّلِ فَيَحْرِمُهُ شَهْوَتَهُ وَيَحْرِمُ نَفْسَهُ مِنْ سُرُورِهِ بِأَكْلِ الْمَدْعُوِّ فَيَكُونُ قَدْ بَخَسَ نَفْسَهُ حَظَّهَا، وَكَذَلِكَ يُخْبِرُهُمْ بِالْحَلَاوَةِ إنْ كَانَ مَا أَحْضَرَهَا مَعَ الطَّعَامِ، وَكَذَلِكَ الْفَاكِهَةُ وَالنَّقْلُ وَغَيْرُ ذَلِكَ. وَيَنْبَغِي إنْ كَانَتْ أَلْوَانًا أَنْ يُقَدِّمَ خَفِيفَهَا قَبْلَ ثَقِيلِهَا فَإِذَا فَرَغَ مِنْ الْأَكْلِ الْتَقَطَ مَا سَقَطَ مِنْ اللُّبَابِ.

وَيَنْبَغِي لِلْأَضْيَافِ أَنْ يَتْرُكُوا فَضْلَةً مِنْ الطَّعَامِ وَإِنْ قَلَّ امْتِثَالًا لِلسُّنَّةِ، وَقَدْ تَكُونُ لِأَهْلِ الْبَيْتِ نِيَّةٌ صَالِحَةٌ فِي بَقِيَّةِ سُؤْرِهِ، وَيُقَدِّمُ لَهُمْ مَا يَغْسِلُونَ بِهِ أَيْدِيَهُمْ فَيَتَوَلَّى ذَلِكَ بِنَفْسِهِ كَمَا فَعَلَ قَبْلَ الْأَكْلِ.
وَيَنْبَغِي أَنْ يَبْدَأَ بِالْغَسْلِ أَفْضَلُهُمْ، ثُمَّ يَدُورُ عَلَى يَمِينِ مَنْ يَصُبُّ عَلَيْهِمْ الْمَاءَ لِلْغَسْلِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ صَاحِبُ الْمَنْزِلِ آخِرَهُمْ غَسْلَ يَدٍ وَأَنْ يَكُونَ هُوَ الَّذِي يَصُبُّ عَلَيْهِمْ الْمَاءَ لِلْغَسْلِ.
وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَبْصُقَ أَحَدٌ فِي الْمَاءِ، وَلَا يَغْسِلُ بِالْأُشْنَانِ، وَلَا بِالتُّرَابِ فَإِذَا غَسَلُوا بِالْمَاءِ مَسَحُوا أَيْدِيَهُمْ بَعْدَ الْغَسْلِ بِأَخْمَصِ أَقْدَامِهِمْ إنْ كَانَتْ نَظِيفَةً، أَوْ بِخِرْقَةِ صُوفٍ مُعَدَّةٍ لِذَلِكَ، أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا مِنْ شَيْءٍ خَشِنٍ عَدَا الْمُحَرَّمِ شَرْعًا لِيُزِيلُوا بِذَلِكَ بَقِيَّةَ الدَّسَمِ عَنْ أَيْدِيهِمْ مُحَافَظَةً عَلَى النَّظَافَةِ الشَّرْعِيَّةِ، وَإِنَّمَا مَنَعَ مِنْ الْغَسْلِ بِالْأُشْنَانِ وَالتُّرَابِ خِيفَةَ أَنْ يَكُونَ فِي الْجَمَاعَةِ مَنْ يُرِيدُ أَنْ يَشْرَبَ هَذَا الْمَاءَ إذْ أَنَّ شُرْبَهُ شِفَاءٌ وَمَا زَالَ السَّلَفُ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْغَسْلَ بِالْأُشْنَانِ وَالتُّرَابِ يَحْرِمُ بَرَكَةَ ذَلِكَ لَهُ وَلِغَيْرِهِ إلَّا أَنْ يَشْرَبَهُ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ فَيَدْخُلُ فِي جَوْفِهِ التُّرَابُ وَالْأُشْنَانُ وَالْبُصَاقُ وَهَذَا فِيهِ مَا فِيهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْجَمَاعَةِ مَنْ يُظَنُّ أَنَّهُ يَشْرَبُ هَذَا الْمَاءَ فَيَغْسِلُ بِمَا شَاءَ مِنْ تُرَابٍ وَغَيْرِهِ.
وَالْغَسْلُ بِالْأُشْنَانِ لَا يَفْعَلُهُ إلَّا مَعَ تَعَذُّرِ غَيْرِهِ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَقَدْ نُقِلَ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ هَذِهِ الطَّائِفَةِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَشْفُونَ بِهَذَا الْمَاءِ وَيَتَشَاحُّونَ عَلَيْهِ وَيَتَنَافَسُونَ فِيهِ حَتَّى أَنَّهُمْ يُقِيمُونَ النِّدَاءَ عَلَيْهِ وَيَبِيعُونَهُ بِالثَّمَنِ الْكَثِيرِ حَتَّى يَحْصُلَ لَهُمْ بَرَكَةُ ذَلِكَ اغْتِنَامًا مِنْهُمْ لِلْبَرَكَةِ.
أَلَا تَرَى إلَى مَا وَقَعَ فِي قِصَّةِ

الصفحة 231