كتاب المدخل لابن الحاج (اسم الجزء: 1)

لَا يَأْكُلَ أَحَدٌ حَتَّى يَحْضُرَ الْمَاءُ، فَإِنَّ الْأَكْلَ بِغَيْرِ حُضُورِهِ بِدْعَةٌ إذْ أَنَّ ذَلِكَ خِلَافُ السُّنَّةِ وَفِيهِ خَطَرٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَشْرَقُ بِاللُّقْمَةِ فَلَا يَجِدُ مَا يُسِيغُهَا بِهِ فَيَكُونُ قَدْ تَسَبَّبَ فِي هَلَاكِ نَفْسِهِ.
وَيَنْبَغِي لَهُ إذَا فَرَغَ مِنْ أَكْلِهِ انْتَشَرَ وَخَرَجَ، وَلَا يَلْبَثُ، وَلَا يَتَحَدَّثُ بَعْدَ تَمَامِ الطَّعَامِ.
وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ لَا يَسْتَعْجِلَ بِرَفْعِ السُّفْرَةِ لِوُجُوهٍ أَرْبَعَةٍ:
الْأَوَّلُ: بَسْطُ الْجَمَاعَةِ بِزِيَادَةِ الْأُنْسِ لَهُمْ.
الثَّانِي: لَعَلَّ أَنْ يَأْتِيَ وَارِدٌ فَيَحْصُلُ لِمَنْ حَضَرَ بَرَكَتُهُ، أَوْ أَجْرُهُ، أَوْ هُمَا مَعًا.
الثَّالِثُ: لِمَا وَرَدَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَسْتَغْفِرُ لَهُمْ مَا دَامَ الْمَأْكُولُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَهَذَا عَامٌّ وَلَوْ فَرَغُوا مِنْ الْأَكْلِ فَتُتْرَكُ لِأَجْلِ ذَلِكَ.
الرَّابِعُ: أَنَّ فِي تَرْكِهَا التَّشَبُّهَ بِالْكِرَامِ، وَالتَّشَبُّهُ بِالْكِرَامِ فَلَاحٌ.
وَيَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَمْتَثِلُوا السُّنَّةَ بَعْدَ فَرَاغِهِمْ مِنْ الْأَكْلِ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِهِمْ الْحَمْدُ لِلَّهِ اللَّهُمَّ أَبْدِلْنَا خَيْرًا مِنْهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَبَنًا فَالسُّنَّةُ أَنْ يُقَالَ فِيهِ الْحَمْدُ لِلَّهِ اللَّهُمَّ زِدْنَا مِنْهُ. وَكَانَ سَيِّدِي أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: الْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ طَلَبُ الزِّيَادَةِ مِنْ الْفِطْرَةِ أَعْنِي فِطْرَةَ الْإِسْلَامِ الَّتِي قُبِضَ عَلَيْهَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حِينَ أُتِيَ لَهُ بِطَسْتَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: مَمْلُوءٌ لَبَنًا، وَالْآخَرُ خَمْرًا، فَقَبَضَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى طَسْتِ اللَّبَنِ فَوَقَعَ النِّدَاءُ قَبَضَ مُحَمَّدٌ عَلَى الْفِطْرَةِ فَهُوَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَسْتَزِيدُ مِنْهَا فَلَوْ حَمَلْنَاهُ عَلَى ظَاهِرِهِ لَوَقَعَ الْإِشْكَالُ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - خُيِّرَ أَنْ تُسَيَّرَ مَعَهُ جِبَالُ تِهَامَةَ ذَهَبًا وَفِضَّةً تُسَيَّرُ لِسَيْرِهِ وَتَقِفُ لِوُقُوفِهِ فَأَبَى فَكَيْفَ يَطْلُبُ الزِّيَادَةَ مِنْ هَذَا الشَّيْءِ الْيَسِيرِ؟ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ.
الثَّانِي: أَنْ يَقُولَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنِي هَذَا الطَّعَامَ وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي وَلَا قُوَّةٍ.
الثَّالِثُ: أَنْ يَقُولَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنَا وَسَقَانَا وَكَفَانَا وَآوَانَا وَجَعَلَنَا مُسْلِمِينَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا وَرَدَ، فَأَيُّ ذَلِكَ قَالَ: فَقَدْ امْتَثَلَ السُّنَّةَ وَإِنْ أَتَى بِالْجَمِيعِ فَيَا حَبَّذَا، وَيَزِيدُ الضَّيْفُ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَاءَ إلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فَجَاءَ بِخُبْزٍ وَزَيْتٍ فَأَكَلَ، ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَفْطَرَ

الصفحة 233