كتاب المدخل لابن الحاج (اسم الجزء: 1)
[فَصْلٌ فِي التَّحْرِيضِ عَلَى الْأَفْعَالِ كُلِّهَا أَنْ تَكُونَ بِنِيَّةِ حَاضِرَةٍ]
ٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5] قَالَ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ الْإِخْلَاصُ إنَّمَا يَكُونُ بِالْقَلْبِ، وَذَلِكَ أَنَّ لِابْنِ آدَمَ جَوَارِحَ ظَاهِرَةً وَجَوَارِحَ بَاطِنَةً فَعَلَى الظَّاهِرَةِ الْعِبَادَةُ وَالِامْتِثَالُ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ} [البينة: 5] ، وَعَلَى الْبَاطِنَةِ أَنْ تَعْتَقِدَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ مُخْلِصَةً فِي ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5] فَالْأَصْلُ الَّذِي تَتَفَرَّعُ عَنْهُ الْعِبَادَاتُ عَلَى أَنْوَاعِهَا هُوَ الْإِخْلَاصُ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْقَلْبِ فَعَلَى هَذَا الْجَوَارِحُ الظَّاهِرَةُ تَبَعٌ لِلْبَاطِنَةِ، فَإِنْ اسْتَقَامَ الْبَاطِنُ اسْتَقَامَ الظَّاهِرُ جَبْرًا، وَإِذَا دَخَلَ الْخَلَلُ فِي الْبَاطِنِ دَخَلَ فِي الظَّاهِرِ مِنْ بَابٍ أَوْلَى فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ تَكُونَ هِمَّتُهُ وَكُلِّيَّتُهُ فِي تَخْلِيصِ بَاطِنِهِ وَاسْتِقَامَتِهِ إذْ أَنَّ أَصْلَ الِاسْتِقَامَةِ مِنْهُ تَتَفَرَّعُ، وَهُوَ مَعْدِنُهَا، وَقَدْ نَصَّ الْحَدِيثُ عَلَى هَذَا وَبَيَّنَهُ أَتَمَّ بَيَانٍ فَقَالَ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَلَّا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ» .
وَقَالَ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إلَى مَا هَاجَرَ إلَيْهِ» فَالْهِجْرَةُ عَلَى حَدٍّ وَاحِدٍ فِي الْفِعْلِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ هَذِهِ لِلَّهِ وَهَذِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مَا انْطَوَتْ
الصفحة 7
317