كتاب المدخل لابن الحاج (اسم الجزء: 2)

إلَى فَضِيلَةِ هَذَا الشَّهْرِ الْعَظِيمِ «بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلسَّائِلِ الَّذِي سَأَلَهُ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ فَقَالَ لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ذَلِكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ» فَتَشْرِيفُ هَذَا الْيَوْمِ مُتَضَمِّنٌ لِتَشْرِيفِ هَذَا الشَّهْرِ الَّذِي وُلِدَ فِيهِ. فَيَنْبَغِي أَنْ نَحْتَرِمَهُ حَقَّ الِاحْتِرَامِ وَنُفَضِّلَهُ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ الْأَشْهُرَ الْفَاضِلَةَ وَهَذَا مِنْهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلَا فَخْرَ» وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «آدَم وَمَنْ دُونَهُ تَحْتَ لِوَائِي» انْتَهَى. وَفَضِيلَةُ الْأَزْمِنَةِ وَالْأَمْكِنَةِ بِمَا خَصَّهَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ مِنْ الْعِبَادَاتِ الَّتِي تُفْعَلُ فِيهَا لِمَا قَدْ عُلِمَ أَنَّ الْأَمْكِنَةَ وَالْأَزْمِنَةَ لَا تَتَشَرَّفُ لِذَاتِهَا وَإِنَّمَا يَحْصُلُ لَهَا التَّشْرِيفُ بِمَا خُصَّتْ بِهِ مِنْ الْمَعَانِي. فَانْظُرْ رَحِمَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ إلَى مَا خَصَّ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ هَذَا الشَّهْرَ الشَّرِيفَ وَيَوْمَ الِاثْنَيْنِ.
أَلَا تَرَى أَنَّ صَوْمَ هَذَا الْيَوْمِ فِيهِ فَضْلٌ عَظِيمٌ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وُلِدَ فِيهِ. فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي إذَا دَخَلَ هَذَا الشَّهْرُ الْكَرِيمُ أَنْ يُكَرَّمَ وَيُعَظَّمَ وَيُحْتَرَمَ الِاحْتِرَامَ اللَّائِقَ بِهِ وَذَلِكَ بِالِاتِّبَاعِ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي كَوْنِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَخُصُّ الْأَوْقَاتَ الْفَاضِلَةَ بِزِيَادَةِ فِعْلِ الْبِرِّ فِيهَا وَكَثْرَةِ الْخَيْرَاتِ. أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِ الْبُخَارِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَجْوَدَ النَّاسِ بِالْخَيْرِ وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ» فَنَمْتَثِلُ تَعْظِيمَ الْأَوْقَاتِ الْفَاضِلَةِ بِمَا امْتَثَلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى قَدْرِ اسْتِطَاعَتِنَا (فَصْلٌ)
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ قَدْ الْتَزَمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَا الْتَزَمَهُ فِي الْأَوْقَاتِ الْفَاضِلَةِ مِمَّا قَدْ عُلِمَ وَلَمْ يَلْتَزِمْ فِي هَذَا الشَّهْرِ مَا الْتَزَمَهُ فِي غَيْرِهِ. فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ لَمْ يَلْتَزِمْ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - شَيْئًا فِي هَذَا الشَّهْرِ الشَّرِيفِ إنَّمَا هُوَ مَا قَدْ عُلِمَ مِنْ عَادَتِهِ الْكَرِيمَةِ فِي كَوْنِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يُرِيدُ التَّخْفِيفَ عَنْ أُمَّتِهِ وَالرَّحْمَةَ لَهُمْ سِيَّمَا فِيمَا كَانَ يَخُصُّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَقِّ حَرَمِ الْمَدِينَةِ «اللَّهُمَّ إنَّ إبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ وَأَنِّي أُحَرِّمُ

الصفحة 3