كتاب المدخل لابن الحاج (اسم الجزء: 2)
ضَرْبِ الطَّارِّ وَالشَّبَّابَةِ وَالْغِنَاءِ، وَتَرْفَعُ عَقِيرَتَهَا عَلَى مَا يُعْهَدُ مِنْ فِتْنَتِهَا فَكَانَ الْأَمْرُ أَوَّلًا لِلْفَرَحِ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، فَكَانُوا فِي قُرْبَةٍ فَعَكَسُوهُ بِمَا هُوَ ضِدُّهُ، أَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى السَّلَامَةَ بِمَنِّهِ. وَلَوْ كُلِّفَ أَحَدُهُمْ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِبَعْضِ مَا صَرَفَهُ فِيمَا لَا يَجُوزُ مِمَّا صَنَعَهُ فِي الْإِصْرَافَةِ لَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ فِي الْغَالِبِ؛ لِأَنَّهُ مَحْضُ طَاعَةٍ لِلَّهِ تَعَالَى سِرًّا لَيْسَ فِيهِ لَهْوٌ وَلَا لَعِبٌ وَلَا رِيَاءٌ وَلَا سُمْعَةٌ، وَذَلِكَ شَاقٌّ عَلَى النُّفُوسِ إلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّك ثُمَّ يُضِيفُونَ إلَى ذَلِكَ فِعْلًا قَبِيحًا وَهُوَ أَنَّ بَعْضَ الْمُؤَدِّبِينَ يَدْخُلُونَ مَعَ صَاحِبِ الْإِصْرَافَةِ الْبَيْتَ وَيَجْلِسُونَ مَعَ النِّسَاءِ وَهُنَّ مُتَبَرِّجَاتٌ عَلَى مَا يُعْلَمُ مِنْ عَادَتِهِنَّ فِي بُيُوتِهِنَّ وَيُعْطِي اللَّوْحَ لِأُمِّ صَاحِبِ الْإِصْرَافَةِ أَوْ لِأُخْتِهِ أَوْ لِخَالَتِهِ أَوْ لِعَمَّتِهِ أَوْ لِجَارَتِهِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَقَارِبِ الْوَلَدِ وَمَعَارِفِهِ حَتَّى تُنَقِّطَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ مِنْ الْفِضَّةِ بِمَا أَمْكَنَهَا وَذَلِكَ مُحَرَّمٌ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ عَنْهُنَّ فَلَا يَجُوزُ لَهُنَّ أَنْ يَظْهَرْنَ عَلَيْهِ وَلَا أَنْ يَسْمَعَ كَلَامَهُنَّ إلَّا لِضَرُورَةٍ شَرْعِيَّةٍ وَالضَّرُورَةُ هُنَا مَعْدُومَةٌ. وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ.
وَيَنْبَغِي لِوَالِدِ الصَّبِيِّ بَلْ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَجَنَّبَ مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ النَّاسِ فِي هَذَا الزَّمَانِ وَهُوَ أَنَّ الصَّبِيَّ إذَا ذَهَبَ أَكْثَرُ التَّعَبِ بِهِ وَقَرُبَ مِنْ أَنْ يَخْتِمَ الْقُرْآنَ نَقَلَهُ وَالِدُهُ إلَى كُتَّابٍ آخَرَ حَتَّى يُفَوِّتَ الْأَوَّلَ مَا اسْتَحَقَّهُ مِنْ الْإِصْرَافَةِ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الصَّبِيِّ إذَا دَخَلَ سُورَةَ الْأَعْرَافِ عِنْدَ مُؤَدِّبٍ ثُمَّ انْتَقَلَ إلَى غَيْرِهِ فَإِصْرَافَةُ الْبَقَرَةِ قَدْ اسْتَحَقَّهَا الْمُؤَدِّبُ الْأَوَّلُ وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِيمَا إذَا دَخَلَ سُورَةَ يُونُسَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - هَلْ يَسْتَحِقُّهَا الْأَوَّلُ أَوْ الثَّانِي؟ قَوْلَانِ، وَلَا يَخْتَصُّ هَذَا بِإِصْرَافَةِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ لَيْسَ إلَّا، بَلْ هُوَ عَامٌّ فِي كُلِّ إصْرَافَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ قَرُبَ إلَيْهَا الصَّبِيُّ، فَإِنَّ الْمُؤَدِّبَ الْأَوَّلَ يَسْتَحِقُّهَا.
وَمِنْ كِتَابِ الْبَيَانِ وَالتَّحْصِيلِ سُئِلَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ تَعْلِيمِ أَوْلَادِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى الْكِتَابَةَ بِغَيْرِ قِرَاءَةِ قُرْآنٍ فَقَالَ: لَا وَاَللَّهِ مَا أُحِبُّ ذَلِكَ يَصِيرُونَ إلَى أَنْ يَقْرَءُوا الْقُرْآنَ. قَالَ: وَسَأَلْته عَنْ تَعْلِيمِ الْمُسْلِمِ عِنْدَ النَّصْرَانِيِّ كِتَابَ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ كِتَابَ الْأَعْجَمِيَّةِ فَقَالَ: لَا وَاَللَّهِ
الصفحة 333
336