كتاب المدخل لابن الحاج (اسم الجزء: 3)

مَعَ الصَّابِرِينَ عَنْ الْمُشْتَهَيَاتِ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ، وَالصَّابِرِينَ عَلَى الطَّاعَاتِ، وَجِهَادِ الْكُفَّارِ فَاَللَّهُ نَاصِرُهُمْ، وَمُعِينُهُمْ.
رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ لِخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ حِينَ بَعَثَهُ لِقِتَالِ أَهْلِ الرِّدَّةِ: احْرِصْ عَلَى الْمَوْتِ تُوهَبْ لَك الْحَيَاةُ.
وَوَجَّهَ أَبُو مُسْلِمٍ قَوْمًا إلَى الْغَزْوِ فَقَالَ: أَلْزِمُوا قُلُوبَكُمْ الصَّبْرَ فَإِنَّهُ سَيْفُ الظَّفَرِ، وَاذْكُرُوا كَثْرَةَ الضَّغَائِنِ فَإِنَّهُمَا تَحُضُّ عَلَى الْإِقْدَامِ، وَالْزَمُوا الطَّاعَةَ فَإِنَّهَا حِصْنُ الْمُحَارِبِ.
وَمِنْ الْحِكْمَةِ: قُوَّةُ النَّفْسِ فِي الْحَرْبِ عَلَامَةُ الظَّفَرِ.
وَمِنْهَا: تَقَحُّمُ الْحَرْبِ يُنْجِحُ الْقَلْبَ، وَمِنْهَا: الْهَزِيمَةُ تَحِلُّ الْعَزِيمَةَ.
وَمِنْهَا: الْحِيَلُ أَبْلَغُ مِنْ الْعَمَلِ، وَمِنْهَا: الرَّأْيُ السَّدِيدُ أَجْدَى مِنْ الْأَيْدِ الشَّدِيدِ.
وَمِنْهَا: شِدَّةُ الصَّبْرِ فَاتِحَةُ النَّصْرِ

، وَيَنْبَغِي الْمَشُورَةُ فِي الْقِتَالِ، وَفِي كُلِّ أَمْرٍ يَعْرِضُ.
، وَفِي التِّرْمِذِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «مَا رَأَيْت أَحَدًا أَكْثَرَ مَشُورَةً لِأَصْحَابِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» إلَّا أَنَّهُ يَنْبَغِي مَشُورَةُ مَنْ لَهُ عَقْلٌ، وَدِينٌ، وَتَجَارِبُ. مِنْ كَلَامِ الْحِكْمَةِ تَوَقَّ مَشُورَةَ الْجَاهِلِ.
وَمِنْهَا: لَا تُشَاوِرُ مَنْ تَمِيلُ بِهِ رَغْبَتُهُ أَوْ رَهْبَتُهُ. أَخْرَجَ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ فِي صَحِيحِهِ بِالْإِسْنَادِ عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ» ، وَمِنْهُ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَنْ يَبْرَحَ هَذَا الدِّينُ قَائِمًا تُقَاتِلُ عَلَيْهِ عِصَابَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ» ، وَمِنْهُ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَزَالُ أَهْلُ الْمَغْرِبِ ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ» قَالَ الْبُخَارِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، - وَرَحِمَهُ - هَذِهِ الطَّائِفَةُ هُمْ أَهْلُ الْعِلْمِ، وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ هُمْ أَهْلُ السُّنَّةِ، وَالْجَمَاعَةِ انْتَهَى كَلَامُهُ بِلَفْظِهِ.

ثُمَّ نَرْجِعُ إلَى ذِكْرِ بَعْضِ فَضِيلَةِ الْجِهَادِ.
فَمِنْ ذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْله تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 111]

الصفحة 10