كتاب المدخل لابن الحاج (اسم الجزء: 3)

ذَلِكَ كُلِّهِ وَأَعْظَمُهُ قُبْحًا وَشَنَاعَةً أَنَّ بَعْضَ مَنْ يُنْسَبُ إلَى الْعِلْمِ أَوْ إلَى الْخِرْقَةِ أَوْ إلَى الْمَشْيَخَةِ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ فِي بُيُوتِهِمْ وَيَسْتَحْسِنُونَهُ مِمَّنْ يَفْعَلُهُ بَلْ يَجْمَعُونَ النَّاسَ عَلَيْهِ وَيَدْعُونَهُمْ إلَيْهِ وَيَذُمُّونَ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ وَلَا يَدْعُوهُمْ إلَيْهِ فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ عَلَى الْجَهْلِ وَالْجَهْلِ بِالْجَهْلِ. وَلَيْسَ مَا يَتَعَاطَوْنَهُ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ خَاصًّا بِأَمْرِ النِّفَاسِ بَلْ هُوَ عِنْدَهُمْ عَامٌّ فِي كُلِّ أَمْرٍ حَدَثَ بِهِ سُرُورٌ حَتَّى فِي الْحَاجِّ إذَا قَدِمَ فَعَلُوا مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ.
وَأَمَّا فِي أَمْرِ النِّكَاحِ فَلَا تَسْأَلْ عَمَّا أَحْدَثُوا فِيهِ مِنْ الْمُخَالَفَاتِ، بَلْ مَا يَفْعَلُونَهُ فِي النِّفَاسِ نُقْطَةً مِنْ بَحْرِ مَا يَفْعَلُونَهُ فِي النِّكَاحِ، وَهُوَ كَثِيرٌ مُتَعَدِّدٌ قَلَّ أَنْ يَنْحَصِرَ أَوْ يَرْجِعَ إلَى قَانُونٍ مَعْلُومٍ لِاخْتِلَافِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَقَالِيمِ وَالْبِلَادِ وَالْعَوَائِدِ، وَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ أَمْرِ النِّفَاسِ فِيهِ غَنِيَّةٌ عَنْ الْكَلَامِ عَلَى تَفْصِيلِ مَا يَفْعَلُونَهُ فِي النِّكَاحِ.
وَلَا يَظُنُّ ظَانٌّ أَنَّ هَذَا إنْكَارٌ لِوَلِيمَةِ النِّكَاحِ بَلْ هِيَ سُنَّةٌ مَعْمُولٌ بِهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَطْلُوبِ فِي الشَّرْعِ، وَكَذَلِكَ الضَّرْبُ بِالدُّفِّ الشَّرْعِيِّ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ سَالِمًا مِنْ الصَّرَاصِرِ وَالسِّلْسِلَةِ الْحَدِيدِ اللَّتَيْنِ أُحْدِثَتَا فِيهِ، وَيَكُونُ الْفَاعِلُ لِذَلِكَ أَحَدَ شَخْصَيْنِ إمَّا جَارِيَةٌ مِنْ الْوَخْشِ مِمَّنْ لَا يُلْتَفَتُ إلَى صُورَتِهَا وَلَا إلَى سَمَاعِ صَوْتِهَا غَالِبًا، أَوْ حُرَّةٌ مُتَجَالَّةٌ لَا تُشْتَهَى وَلَا يُلْتَذُّ بِكَلَامِهَا بِخِلَافِ مَنْ تُشْتَهَى وَيُلْتَذُّ بِكَلَامِهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْهَا مُحَرَّمٌ لَا يَجُوزُ.
فَهَذَا هُوَ إعْلَانُ النِّكَاحِ وَإِفْشَاؤُهُ عَلَى مَا مَضَى مِنْ فِعْلِ السَّلَفِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - بِخِلَافِ مَا تُسَوِّلُهُ الْأَنْفُسُ الْأَمَّارَةُ بِالسُّوءِ مِنْ الِالْتِفَاتِ إلَى الْعَوَائِدِ الرَّدِيئَةِ وَالْأَغْرَاضِ الْخَسِيسَةِ، وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ بَعْضَ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - دَخَلَ إلَى بَلَدٍ فَوَجَدَ فِيهَا بَعْضَ النَّاسِ قَدْ أَصَابَهُمْ حُزْنٌ فَضَجُّوا وَأَظْهَرُوا الْمُخَالَفَةَ لِمَا أَصَابَهُمْ، وَوَجَدَ آخَرِينَ قَدْ أَنْعَمَ عَلَيْهِمْ فَفَرِحُوا وَسُرُّوا وَخَرَجُوا بِذَلِكَ إلَى كُفْرِ النِّعْمَةِ فَقَالَ: اُبْتُلِيَ هَؤُلَاءِ فَمَا صَبَرُوا، وَأُنْعِمَ عَلَى هَؤُلَاءِ فَمَا شَكَرُوا، فَلَا يُمَكِّنُنِي الْمُقَامُ مَعَ قَوْمٍ هَذَا حَالُهُمْ، أَوْ كَمَا قَالَ وَخَرَجَ مِنْ بَيْنِهِمْ. وَهَذَا حَالُ أَكْثَرِ أَهْلِ هَذَا الزَّمَانِ إلَّا أَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ

الصفحة 288