كتاب المدخل لابن الحاج (اسم الجزء: 3)

الصَّادِقِ، وَالْكَاذِبِ فَاحْذَرْ تَجْدِيدَ الْقُوَّةِ فِي الْعَمَلِ عِنْدَ تَجْدِيدِ الْمَدْحِ فَإِنَّ لَهُ سَطْوَةً، وَسُلْطَانًا يَزِيدُ الْكَاذِبَ كَذِبًا، وَيُفْسِدُ عَلَى الصَّادِقِ صِدْقُهُ فَلَا تُظْهِرْ الْخَوْفَ مِنْ قَلْبِك، وَلَا تُظْهِرْ قِلَّةَ الْخَوْفِ فَإِنَّ إظْهَارَ قِلَّةِ الْخَوْفِ هُوَ مِنْ قِلَّةِ الْخَوْفِ، وَهَذَا بَابٌ فِيهِ فَسَادُ الْعَمَلِ كَبِيرٌ، وَهُوَ رِيَاءٌ فِيهِ لُطْفٌ، وَلَهُ حَلَاوَةٌ، وَإِيَّاكَ أَنْ تَقُولَ، وَاحُزْنَاه عَلَى الْحُزْنِ، وَأَخَافُ أَنْ لَا أَكُونَ أَخَافُ، وَاحُزْنَاه عَلَى الْأَحْزَانِ فَإِنَّ هَذِهِ أَشْيَاءُ مِنْ دَقَائِقِ مَدَاخِلِ إبْلِيسَ، وَاَللَّهُ سَائِلُكَ عَنْ بُكَائِكَ، وَإِظْهَارِكَ الْخَوْفَ، وَالْحُزْنَ، وَإِظْهَارِكَ أَنَّك لَسْت بِحَزِينٍ، وَإِظْهَارِك أَنَّك لَا تَخَافُ، وَمَا تُظْهِرُ مِنْ الِانْكِسَارِ، وَالتَّوَاضُعِ، وَإِظْهَارِك الْهَمَّ بِأَمْرِ الْآخِرَةِ، وَذَمِّك نَفْسَك، وَمَاذَا أَرَدْت بِذَلِكَ كُلِّهِ، وَلِإِبْلِيسَ فِي هَذِهِ الْخِصَالِ مَذَاهِبُ تَلْتَبِسُ عَلَى كَثِيرِ مِنْ النَّاسِ، وَهِيَ تُنْسَبُ إلَى خُشُوعِ النِّفَاقِ فَإِنْ كُنْت صَادِقًا فِيهَا فَاحْذَرْ إبْلِيسَ عِنْدَهَا، وَفِي وَقْتِهَا حَذَرًا شَدِيدًا، وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.
وَانْظُرْ كَيْفَ يَكُونُ احْتِمَالُك إذَا قَالَ لَك غَيْرُك: مَا تَقُولُهُ أَنْتَ لِنَفْسِك مِنْ الذَّمِّ، وَالْوَقِيعَةِ فِيهَا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَك عِنْدَ ذَلِكَ أَصَادِقٌ أَنْتَ فِي فِعْلِك أَمْ كَاذِبٌ؟ فَإِذَا كَانَ بَاطِنُك كَظَاهِرِك لَمْ تُبَالِ كَيْفَ كَانَ أَمْرُك، وَقُمْ عَلَى بَاطِنِك أَشَدَّ مِنْ قِيَامِك عَلَى ظَاهِرِك فَإِنَّهُ الْمَوْضِعُ الَّذِي فِيهِ اللَّهُ مُطَّلِعٌ فَنَظِّفْهُ، وَزَيِّنْهُ لِيَنْظُرَ اللَّهُ إلَيْهِ أَشَدَّ مَا تُزَيِّنُ ظَاهِرَك لِنَظَرِ غَيْرِهِ فَافْهَمْ مَا أَقُولُ لَك بِعِنَايَةٍ مِنْك، وَقَبُولٍ.
وَاعْلَمْ أَنَّ فَرَائِضَ جَوَارِحِك إنَّمَا تَقُومُ بِفَرَائِض قَلْبِك، وَاعْلَمْ أَنَّ النِّيَّةَ، وَالصِّدْقَ، وَالْإِخْلَاصَ فَرِيضَةٌ تُقَامُ بِهَا الْفَرَائِضُ، وَتَنْبَنِي عَلَيْهَا الْأَعْمَالُ، وَتَرْكُ الذُّنُوبِ فَرِيضَةٌ فَكُلُّ أَمْرٍ فِيهِ مَعْصِيَةٌ فَهُوَ مَرْدُودٌ، وَمُحَالٌ أَنْ يُتَقَرَّبَ إلَى اللَّهِ بِمَعَاصِيهِ {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} [الحج: 37] ، وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ فَرَضَ الْإِرَادَةَ لَهُ بِالْإِيمَانِ، وَالْأَعْمَالُ يُرَادُ بِهِمَا وَجْهُهُ فَأَصَابَ الْمُؤْمِنُ الصَّادِقُ بِنِيَّتِهِ الْفَرِيضَتَيْنِ جَمِيعًا الظَّاهِرَةَ، وَالْبَاطِنَةَ، وَاعْلَمْ أَنَّك إنْ عَمِلْت بِمَا، وَصَفْتُ لَك ثُمَّ عُرِضَتْ عَلَيْك الدُّنْيَا بِمَا فِيهَا عَلَى أَنْ

الصفحة 59