كتاب المدخل لابن الحاج (اسم الجزء: 3)

النِّفَاقِ، وَلَا طَاعَةَ كَقِصَرِ الْأَمَلِ، وَلَا ذُلَّ كَالطَّمَعِ - وَفَّقْنَا اللَّهُ، وَإِيَّاكَ لِمَا إلَيْهِ دَعَانَا، وَأَعَانَنَا، وَإِيَّاكَ عَلَى اجْتِنَابِ مَا عَنْهُ نَهَانَا، وَلَا حَوْلَ، وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ -

[فَصْلٌ فِي التَّزَيُّنِ]
وَقَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: الْعُقُولُ مَعَادِنُ الدِّينِ، وَالْعِلْمُ دَلَالَةٌ عَلَى أَعْمَالِ الطَّاعَاتِ، وَالْمَعْرِفَةُ دَلَالَةٌ عَلَى آفَاتِ الْأَعْمَالِ، وَالْبَصَائِرُ دَلَالَةٌ عَلَى اخْتِبَارِ عَوَاقِبِ الْأُمُورِ أَوْ اخْتِيَارِ مَوَارِدِهَا، وَتَصْرِيفِ مَصَادِرِهَا، وَالتَّزَيُّنُ اسْمٌ لِثَلَاثِ مَعَانٍ فَمُتَزَيِّنٌ بِعِلْمٍ، وَمُتَزَيِّنٌ بِجَهْلٍ، وَمُتَزَيِّنٌ بِتَرْكِ التَّزَيُّنِ، وَهُوَ أَعْظَمُهَا فِتْنَةً، وَأَحَبُّهَا إلَى إبْلِيسَ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَسَاسَ الَّذِي يَنْبَغِي لِلْمُرِيدِ أَنْ يَبْنِيَ عَلَيْهِ دِينَهُ مَعْرِفَتُهُ نَفْسَهُ، وَزَمَانَهُ، وَأَهْلَ زَمَانِهِ فَإِذَا عَرَفَ عُيُوبَ نَفْسِهِ، وَأَرَادَ مَأْخَذًا لِيَسْلَمَ بِهِ مِنْ شَرِّ نَفْسِهِ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - فَلْيَبْدَأْ بِالْخَلْوَةِ، وَخُمُولِ نَفْسِهِ فَلَعَلَّهُ حِينَئِذٍ أَنْ يُدْرِكَ بِذَلِكَ الْحُزْنَ فِي الْقَلْبِ، وَالْخَوْفَ الَّذِي يُحْتَجَزُ بِهِ عَمَّا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ، وَالشَّوْقَ الَّذِي يُدْرِكُ بِهِ أَمَلَهُ مِنْ مَحَبَّةِ اللَّهِ، وَإِلَّا لَمْ يَزَلْ مُتَحَيِّرًا مُتَلَذِّذًا مُتَزَيِّنًا بِالْكَلَامِ يَأْنَسُ بِمَجَالِسِ الْوَحْشَةِ، وَيَثِقُ بِغَيْرِ الْمَأْمُونِ، وَيَطْمَئِنُّ لِأَهْلِ الرَّيْبِ، وَيَحْتَمِلُ أَهْلَ الْمَيْلِ إلَى الدُّنْيَا، وَيَغْتَرُّ بِأَهْلِ الْحِرْصِ، وَالرَّغْبَةِ، وَيَتَأَسَّى بِأَهْلِ الضَّعْفِ، وَيَسْتَرِيحُ إلَى أَهْلِ الْجَهْلِ مَيْلًا مِنْهُ إلَى هَوَاهُ إلَى أَنْ يَفْجَأَهُ الْمَوْتُ، وَحُلُولُ النَّدَمِ.
وَإِذَا وَجَدْتَ الْمُرِيدَ الْمُدَّعِيَ لِلْعَمَلِ، وَالْمَعْرِفَةِ يَأْنِسُ بِمَنْ يَعْرِفُ، وَلَا يَهْرُبُ مِمَّنْ لَا يَعْرِفُ، وَيَنْبَسِطُ، وَيُمَكِّنُ نَفْسَهُ مِنْ الْكَلَامِ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ مَنْ يَعْرِفُ فَاتَّهِمْ إمَّا أَنْ لَا يَكُونَ صَادِقًا فِي إرَادَتِهِ أَوْ يَكُونَ جَاهِلًا بِطَرِيقِ سَلَامَتِهِ أَوْ مَغْلُوبًا عَلَى عَقْلِهِ، وَعِلْمِهِ مُسْتَحْوِذًا عَلَيْهِ هَوَاهُ، - وَمَا التَّوْفِيقُ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ - وَاعْلَمْ يَا أَخِي عِلْمًا يَقِينًا لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّا لَمْ نَبْنِ أَسَاسَ الدِّينِ عَلَى طَلَبِ السَّلَامَةِ فِيهِ مِنْ الْخَطَأِ، وَلَا عَلَى حُسْنِ السِّيرَةِ مُنَافِي لِلْأَخْلَاقِ، وَالْآدَابِ، وَلَكِنَّا ابْتَنَيْنَاهُ عَلَى أَسَاسِ الْهَوَى، وَعَلَى

الصفحة 66