كتاب المدخل لابن الحاج (اسم الجزء: 4)

ذَلِكَ إلَى إدْخَالِ التَّشْوِيشِ وَالْفَسَادِ بِهِ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ} [البروج: 10] وَمَنْ أَعَانَ عَلَى الْفِتْنَةِ فَهُوَ كَفَاعِلِهَا.
أَلَا تَرَى أَنَّ فِتْنَةَ شَارِبِ الْخَمْرِ قَدْ تَعَدَّتْ إلَى لَعْنِ نَحْوِ الْعَشَرَةِ وَهُمْ عَاصِرُهَا وَشَارِبُهَا وَبَائِعُهَا وَمُشْتَرِيهَا وَالْمَحْمُولَةُ لَهُ وَمُقْتَنِيهَا وَحَاضِرُهَا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ.
فَكَذَلِكَ كُلُّ مُخَالَفَةٍ فِي الْغَالِبِ تَجِدُ فِتْنَتَهَا مُتَعَدِّيَةً فَيَقَعُ الْإِثْمُ عَلَى فَاعِلِهَا وَعَلَى كُلِّ مَنْ أَعَانَهُ بِشَيْءٍ مَا بِحَسَبِ حَالِهِ فَلْيَحْذَرْ مَنْ يَحْذَرُ وَمَا التَّوْفِيقُ إلَّا بِاَللَّهِ.

وَكَذَلِكَ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يُفَصِّلَ وَلَا يَخِيطَ ثَوْبًا لِمَكَّاسٍ وَلَا غَيْرِهِ مِمَّنْ شَابَهَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إعَانَةٌ لَهُ عَلَى مَا هُوَ بِصَدَدِهِ وَتَرْكُ التَّغْيِيرِ عَلَيْهِ أَيْضًا وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ.

، وَكَذَلِكَ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَنْ يَحْتَرِزَ مِنْ خِيَاطَةِ الثَّوْبِ الْوَاسِعِ وَإِنْ كَانَ صَاحِبُهُ مُتَلَبِّسًا بِالْعِلْمِ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ لَيْسَ بِكَثْرَةِ الرِّوَايَةِ وَإِنَّمَا هُوَ بِاتِّبَاعِ مَا يَأْمُرُ الْعِلْمُ بِهِ وَالْعِلْمُ يَنْهَى عَنْ ذَلِكَ.
وَكَذَلِكَ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَنْ يَجْتَنِبَ مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ النَّاسِ فِي ثَوْبِهِ مِنْ السِّجَافِ الْوَاسِعِ فِي ذَيْلِهِ وَأَكْمَامِهِ وَقَدْ مَضَى ذِكْرُ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ فَلْيَتَحَفَّظْ مِنْهُ جَهْدَهُ.
وَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَنْ يَجْمَعَ قُصَاصَةَ كُلِّ مَا خَيَّطَهُ وَمَا فَضَلَ فَيَحْفَظُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيُلْقِيه فِي الثَّوْبِ حِينَ طَيِّهِ وَلَا يَغْفُلُ عَنْ ذَلِكَ فَتَعْمُرُ بِهِ ذِمَّتُهُ.
وَيَنْبَغِي لَهُ إذَا سَمِعَ الْأَذَانَ أَنْ يَتْرُكَ كُلَّ مَا هُوَ فِيهِ وَيَشْغَلَ بِحِكَايَةِ الْمُؤَذِّنِ وَالشُّرُوعِ فِي أَسْبَابِ الصَّلَاةِ مِنْ الطَّهَارَةِ وَالْمُضِيِّ إلَيْهَا فِي الْمَسْجِدِ فِي جَمَاعَةٍ وَلَا يَحْرِمُ نَفْسَهُ مِنْ فَضِيلَةِ ذَلِكَ بِسَبَبِ صَنْعَتِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ خُسْرَانٌ بَيِّنٌ وَحِرْمَانٌ ظَاهِرٌ وَمُذْهِبٌ لِلْبَرَكَاتِ وَسَائِقٌ إلَى الْمُخَالَفَاتِ؛ لِأَنَّ السَّيِّئَةَ لَهَا أُخَيَّاتٌ كَمَا أَنَّ الْحَسَنَةَ لَهَا أُخَيَّاتٌ فَيَخَافُ عَلَى تَارِكِ الصَّلَاةِ فِي جَمَاعَةِ الْمَسْجِدِ أَنْ يَئُولَ أَمْرُهُ إلَى تَرْكِ الصَّلَوَاتِ أَوْ وُقُوعِ الْخَلَلِ فِيهَا وَشُغْلُهُ بِأَمْرِ الصَّلَاةِ وَالْأَخْذُ فِي شَأْنِهَا يَزِيدُ فِي الرِّزْقِ وَيُذْهِبُ بِالتَّعَبِ وَتَقَعُ بِهِ الْبَرَكَةُ.
وَقَدْ أَثْنَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ عَلَى فَاعِلِ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ {رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [النور: 37]

الصفحة 21