كتاب المدخل لابن الحاج (اسم الجزء: 4)

وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ «مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ كَسَاهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَوْبَ ذُلٍّ وَصَغَارٍ ثُمَّ أَشْعَلَهُ عَلَيْهِ نَارًا» وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ: إنَّهُ أَشَدُّ مِنْ الْمُطْرَقِ بِالْمِطْرَقَةِ وَمَا ذَاكَ إلَّا؛ لِأَنَّ الْمُطْرَقَ بِالْمِطْرَقَةِ قَدْ عَلِمَ مَنْعَهُ وَتَحْرِيمَهُ بِالشَّرْعِ الشَّرِيفِ غَالِبًا بِخِلَافِ هَذِهِ الْمُرَقَّعَاتِ فَإِنَّهُ يَلْتَبِسُ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ أَمْرُهَا فَيَظُنُّ جَوَازَ ذَلِكَ.

وَكَذَلِكَ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَخِيطَ أَقْبَاعَ الْحَرِيرِ لِلرِّجَالِ كَمَا لَا يَخِيطُ ثَوْبًا حَرِيرًا لَهُمْ؛ لِأَنَّهُ إنْ فَعَلَ ذَلِكَ كَانَ مُعِينًا لَهُمْ عَلَى مَا لَا يَجُوزُ فَكَانَ شَرِيكًا لَهُمْ فِي الْإِثْمِ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَكَذَلِكَ يَجْتَنِبُ خِيَاطَةَ الْقُبَعِ الَّذِي أُجْرَةُ خِيَاطَتِهِ أَكْثَرُ مِنْ ثَمَنِهِ لِحُسْنِ خِيَاطَتِهِ كَمَا سَبَقَ فِي السَّجَّادَةِ وَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ تَرْكُ مَا أَحْدَثُوهُ مِنْ الْغِشِّ بِعَمَلِ الطَّوَاقِي وَالْأَقْبَاعِ مِنْ الْخِرَقِ الْمَلْبُوسَةِ الَّتِي يُدَلِّسُونَ بِهَا عَلَى النَّاسِ فَإِنَّهُمْ يَغْسِلُونَهَا وَيُنَشُّونَهَا وَيُصْقِلُونَهَا صَقْلًا كَثِيرًا حَتَّى تَصِيرَ كَأَنَّهَا جَدِيدَةٌ فِي الصُّورَةِ الظَّاهِرَةِ حَتَّى إنَّ بَعْضَهُمْ لَيَبِيعُهَا بِمِثْلِ ثَمَنِهَا لَوْ كَانَتْ جَدِيدَةً أَوْ بِمَا يُقَارِبُهُ فَإِذَا غُسِلَتْ تَقَطَّعَتْ وَتَمَزَّقَتْ وَهَذَا لَيْسَ مِنْ بَابِ الصَّنْعَةِ فِي شَيْءٍ إنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ الْخِيَانَةِ وَالْغِشِّ وَذَلِكَ مِنْ الْحَرَامِ الْبَيِّنِ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْمَلُهَا وَيُبَيِّنُ أَنَّهَا مِنْ الْخَلِيعِ وَذَلِكَ أَيْضًا لَا يَجُوزُ لِمَا فِيهِ مِنْ إضَاعَةِ الْمَالِ، وَإِنْ بَاعَهَا بِثَمَنِ مِثْلِهَا وَرَضِيَا بِذَلِكَ هَذَا إذَا صَقَلَهَا وَحَسَّنَهَا عَلَى عَادَتِهِمْ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ صَقْلَهَا وَتَحْسِينَهَا عَلَى عَادَتِهِمْ فِي ذَلِكَ يَزِيدُهَا ضَعْفًا عَلَى ضَعْفِهَا.

وَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَيْضًا أَنْ لَا يَعْمَلَ الذَّهَبَ فِي أَقْبَاعِ الرِّجَالِ؛ لِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا يَفْعَلُهُ فِي الْقُصَاصَةِ وَالْخِرَقِ الَّتِي تَفْضُلُ مِنْ الْخِيَاطَةِ فَكَذَلِكَ فِي الْأَقْبَاعِ الْجَائِزِ لُبْسُهَا يَرُدُّ مَا فَضَلَ مِنْ ذَلِكَ وَفِي الْإِشَارَةِ مَا يُغْنِي عَنْ الْعِبَارَةِ بِذِكْرِ تَفَاصِيلِ مَا يَتَعَاطَاهُ بَعْضُهُمْ مِنْ الْخِيَانَةِ وَعَدَمِ الِاحْتِرَازِ لَا جَرَمَ أَنَّ الْبَرَكَةَ قَدْ انْحَازَتْ عَنْهُمْ بِمَعْزِلٍ وَكَيْفَ لَا وَالْبَرَكَةُ لَا تَكُونُ إلَّا مَعَ الِامْتِثَالِ وَالنُّصْحِ لِلْعِبَادِ أَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ بِمَنِّهِ.
وَأَمَّا الْجَمَاجِمُ

الصفحة 24