كتاب المدخل لابن الحاج (اسم الجزء: 4)

الْمَسْجِدِ لِلصَّلَاةِ لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31] قَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ: إنَّهُ الرِّدَاءُ.
وَقَالَتْ الصُّوفِيَّةُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ {خُذُوا زِينَتَكُمْ} [الأعراف: 31] أَنَّهُ الطَّاعَةُ؛ لِأَنَّهُ لَا شَيْءَ أَجْمَلُ وَلَا أَزْيَنُ مِنْهَا إذْ إنَّهُ بِالطَّاعَةِ وَالتَّقْوَى يَكُونُ الْقَبُولُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: 27] وَيُسْتَحَبُّ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ لَهُ ثِيَابٌ لِلْعِيدَيْنِ وَالْجُمُعَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا عَلَى أَحَدِكُمْ لَوْ اتَّخَذَ ثَوْبَيْنِ لِجُمُعَتِهِ سِوَى ثَوْبَيْ مِهْنَتِهِ» وَمَا فِي مَعْنَاهُ الْمَنْدُوبُ إلَيْهِ فِي حَقِّ الْآدَمِيِّينَ وَهُوَ مَا يَتَجَمَّلُونَ بِهِ مِنْ غَيْرِ إسْرَافٍ «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلرَّجُلِ الَّذِي نَزَعَ الثَّوْبَيْنِ الْخَلَقَيْنِ وَلَبِسَ الْجَدِيدَيْنِ أَلَيْسَ هَذَا خَيْرًا ضَرَبَ اللَّهُ عُنُقَك قَالَ: فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَالَ: فَضُرِبَتْ عُنُقُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» .
وَأَمَّا الْمُبَاحُ فَهُوَ لُبْسُ مَا كَانَ مِنْ الرَّقِيقِ لِلرِّجَالِ بِلَا خِلَافٍ وَيُكْرَهُ لِلنِّسَاءِ إلَّا مَعَ زَوْجٍ.
وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى أَشَارَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِقَوْلِهِ «نِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَّاتٌ» .
وَأَمَّا الْمَكْرُوهُ فَلُبْسُ ثَوْبٍ لِلشُّهْرَةِ لِلْحَدِيثِ الْوَارِدِ فِيهِ وَأَمَّا الْمُحَرَّمُ فَلُبْسُ الْحَرِيرِ لِلرِّجَالِ وَهُوَ مُبَاحٌ فِي حَقِّ النِّسَاءِ.
فَإِنْ قَالَ الصَّانِعُ مَثَلًا: إذَا تَحَرَّزْت مِمَّا ذَكَرْتُمُوهُ ذَهَبَتْ الْمَعِيشَةُ أَوْ قَلَّتْ وَالْحَاجَةُ تَدْعُو إلَى الصَّنْعَةِ لِأَجْلِ الضَّرُورَاتِ وَالْعَائِلَةِ وَقَلَّ أَنْ تَتَأَتَّى الصَّنْعَةُ مَعَ مَا ذَكَرْتُمْ.
فَالْجَوَابُ أَنَّ التَّحَرُّزَ مِنْ تِلْكَ الْمَفَاسِدِ هُوَ الَّذِي يَجْلِبُ الرِّزْقَ جَلْبًا وَيَسُوقُهُ سَوْقًا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَعَ الْمُتَّقِينَ الْمُوفِينَ بِالْأَمَانَةِ وَلَا شَكَّ أَنَّ مَنْ نَصَحَ فِي صَنْعَتِهِ فَقَدْ نَصَحَ لِإِخْوَانِهِ الْمُسْلِمِينَ وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ كَثُرَ الْحَلَالُ لَدَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا عُرِفَ بِذَلِكَ بَادَرَ إلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ وَالصَّلَاحِ وَكَانَ كَثِيرٌ مِنْ أَشْغَالِهِمْ عَلَى يَدَيْهِ، وَكَسْبُهُمْ عَلَى مَا يُعْلَمُ مِنْ الْحَلَالِ يُعِينُ عَلَى الطَّاعَةِ وَيُكَسِّلُ عَنْ الْمَعْصِيَةِ كَمَا تَقَدَّمَ.
فَإِذَا امْتَثَلَ الْخَيَّاطُ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَمَشَى عَلَى مَا وَقَعَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى أَكْثَرَ مِنْهُ وَتَحَرَّى لِنَفْسِهِ فَلَا يُبَالِي فِي أَيِّ وَقْتٍ يَفْجَؤُهُ الْمَوْتُ لَيْلًا كَانَ أَوْ نَهَارًا كَانَ فِي دُكَّانِهِ أَوْ فِي بَيْتِهِ كَانَ فِي صَنْعَتِهِ أَوْ فِي صَلَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ مَتَى جَاءَهُ الْمَوْتُ وَجَدَهُ عَلَى الِاسْتِقَامَةِ وَالطَّاعَةِ

الصفحة 26