كتاب المدخل لابن الحاج (اسم الجزء: 4)

مَا اسْتَصْحَبُوهُ مِنْ ذَلِكَ فِي تَصَرُّفِهِمْ كُلِّهِ.
وَيَنْبَغِي لَهُ إذَا دَخَلَ الْمُشْتَرِي السُّوقَ أَوْ مَرَّ عَلَى دُكَّانِهِ أَنْ لَا يَطْلُبَهُ وَلَا يُشِيرَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الِاسْتِشْرَافِ وَهُوَ مُذْهِبٌ لِلْبَرَكَةِ بَلْ يَتَنَزَّهُ عَنْ ذَلِكَ.
وَكَذَلِكَ إذَا رَأَى أَحَدًا يَشْتَرِي مِنْ غَيْرِهِ فَلَا يَرْصُدُهُ لَعَلَّ أَنْ يَقَعَ بَيْنَهُمَا اتِّفَاقٌ فَيَبِيعُهُ هُوَ بَلْ يَصْبِرُ حَتَّى يَقِفَ الْمُشْتَرِي عَلَى دُكَّانِهِ وَيَسْأَلُهُ حِينَئِذٍ فَإِذَا طَلَبَ مِنْهُ شَيْئًا مِمَّا هُوَ فِي دُكَّانِهِ أَخْرَجَهُ لَهُ دُونَ أَنْ يَتَكَلَّمَ أَوْ يُشِيرَ بِشَيْءٍ مِمَّا يَمْدَحُ بِهِ سِلْعَتَهُ أَوْ يُزَيِّنُهَا لَهُ.
وَقَدْ حُكِيَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ جَاءَ لِيَطْلُبَ مِنْهُ خِرْقَةً لِيَشْتَرِيَهَا فَأَمَرَ الْعَبْدَ بِأَنْ يُخْرِجَهَا لَهُ فَأَخْرَجَهَا الْعَبْدُ وَضَرَبَ عَلَيْهَا بِيَدِهِ؛ فَقَالَ لَهُ سَيِّدُهُ: رُدَّهَا فَرَدَّهَا، وَقَالَ لِلْمُشْتَرِي: لَا أَبِيعُك شَيْئًا، قَالَ: وَلِمَ؟ قَالَ: لِأَنَّ الْعَبْدَ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَيْهَا حِينَ أَخْرَجَهَا لَك وَذَلِكَ تَحْسِينٌ لَهَا فِي عَيْنِك فَلَا أَبِيعُك شَيْئًا أَوْ كَمَا قَالَ.
فَهَكَذَا كَانَ فِعْلُ السَّلَفِ فِي تَصَرُّفِهِمْ فَعَلَى مِنْوَالِهِمْ فَانْسِجْ إنْ كُنْت مُحِبًّا لَهُمْ وَإِلَّا فَلَا تَدَّعِ مَا لَيْسَ فِيك فَإِذَا كَانَتْ الضَّرْبَةُ عَلَى الْخِرْقَةِ مِمَّا يُزَيِّنُهَا عِنْدَهُمْ فَمَا بَالُك بِغَيْرِهَا وَغَيْرِهَا.
وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الدُّكَّانُ فِي مَوْضِعٍ كَثِيرِ الضَّوْءِ وَحَتَّى يَتَبَيَّنَ لِلْمُشْتَرِي أَمْرُ الْخِرْقَةِ وَمَا هِيَ عَلَيْهِ بِنَظَرِهِ لَا بِقَوْلِ غَيْرِهِ وَذَلِكَ بِضِدِّ مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُهُمْ فِي هَذَا الزَّمَانِ فَتَجِدُ مَوَاضِعَ الْبَزِّ غَالِبًا قَدْ سَتَرُوهَا حَتَّى لَا تَكَادُ السَّمَاءُ أَنْ تُرَى مِنْ كَثْرَةِ السِّتْرِ فَتَبْقَى ظُلْمَةٌ فَتَحْسُنُ الْخِرْقَةُ بِسَبَبِ الظَّلَامِ فَإِذَا خَرَجَ بِهَا إلَى الضَّوْءِ ظَهَرَتْ عُيُوبُهَا مِنْ الْغِلَظِ وَالْخِفَّةِ وَغَيْرِهِمَا وَهَذَا مِنْ بَابِ الْغِشِّ وَالْخِيَانَةِ، وَذَلِكَ مُذْهِبٌ لِلْبَرَكَةِ وَمِنْ مُخَالَفَةِ السَّلَفِ الْمَاضِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ -.
وَيَنْبَغِي لَهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي الْخِرْقَةِ أَرْشٌ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ الْعُيُوبِ أَنْ يُظْهِرَهُ لِلْمُشْتَرِي قَبْلَ تَقْلِيبِ الْخِرْقَةِ عَلَيْهِ نَاوِيًا بِذَلِكَ النُّصْحَ لَهُ وَلِإِخْوَانِهِ الْمُسْلِمِينَ قَاصِدًا تَخْلِيصَ ذِمَّتِهِ مِمَّا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ مِنْ حَقِّ إخْوَانِهِ.
وَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّنَ لِلْمُشْتَرِي أَمْرَ الْخِرْقَةِ الَّتِي يُرِيدُ أَنْ يَشْتَرِيَهَا مِنْهُ إنْ كَانَ فِيهَا أَرْشٌ أَوْ عَيْبٌ وَأَزَالَ ذَلِكَ وَلَمْ يَعْلَمْ مُشْتَرِيهَا فَيُبَيِّنُهُ لَهُ فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْهُ كَانَ غِشًّا إذْ إنَّ الْمُشْتَرِيَ لَوْ عَلِمَهُ لَنَفَرَ مِنْ الْخِرْقَةِ خَشْيَةَ أَنْ تَكُونَ

الصفحة 28