كتاب المدخل لابن الحاج (اسم الجزء: 4)

حَقًّا لَا شَكَّ فِيهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِي، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَمَثَّلُ فِي صُورَتِي» عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ. لَكِنْ لَمْ يُكَلِّفْ اللَّهُ تَعَالَى عِبَادَهُ بِشَيْءٍ مِمَّا يَقَعُ لَهُمْ فِي مَنَامِهِمْ. قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ وَعَدَّ فِيهِمْ النَّائِمَ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ» ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ نَائِمًا فَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّكْلِيفِ فَلَا يَعْمَلُ بِشَيْءٍ يَرَاهُ فِي نَوْمِهِ هَذَا وَجْهٌ.
وَوَجْهٌ ثَانٍ، وَهُوَ أَنَّ الْعِلْمَ وَالرِّوَايَةَ لَا يُؤْخَذَانِ إلَّا مِنْ مُتَيَقِّظٍ حَاضِرِ الْعَقْلِ وَالنَّائِمُ لَيْسَ كَذَلِكَ. وَوَجْهٌ ثَالِثٌ، وَهُوَ أَنَّ الْعَمَلَ بِالْمَنَامِ مُخَالِفٌ لِقَوْلٍ صَاحِبِ الشَّرِيعَةِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ حَيْثُ قَالَ «تَرَكْت فِيكُمْ الثَّقَلَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّتِي» وَفِي رِوَايَةٍ وَعِتْرَتِي أَهْلُ بَيْتِي. فَجَعَلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - النَّجَاةَ مِنْ الضَّلَالَةِ فِي التَّمَسُّكِ بِهَذَيْنِ الثَّقَلَيْنِ فَقَطْ لَا ثَالِثَ لَهُمَا، وَمَنْ اعْتَمَدَ عَلَى مَا يَرَاهُ فِي نَوْمِهِ فَقَدْ زَادَ لَهُمَا ثَالِثًا فَعَلَى هَذَا مَنْ رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَنَامِهِ وَأَمَرَهُ بِشَيْءٍ أَوْ نَهَاهُ عَنْ شَيْءٍ فَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ عَرْضُ ذَلِكَ عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ إذْ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إنَّمَا كَلَّفَ أُمَّتَهُ بِاتِّبَاعِهِمَا. وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَلَا فَلْيُبْلِغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ» الْحَدِيثَ. وَرَوَى أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ «تَسْمَعُونَ وَيُسْمَعُ مِنْكُمْ وَيُسْمَعُ مِمَّنْ يَسْمَعُ مِنْكُمْ» وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» إلَى غَيْرِ ذَلِكَ، فَإِذَا عَرَضَهَا عَلَى شَرِيعَتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَإِنْ وَافَقَتْهَا عَلِمَ أَنَّ الرُّؤْيَا حَقٌّ، وَأَنَّ الْكَلَامَ حَقٌّ وَتَبْقَى الرُّؤْيَا تَأْنِيسًا لَهُ، وَإِنْ خَالَفَتْهَا عَلِمَ أَنَّ الرُّؤْيَا حَقٌّ، وَأَنَّ الْكَلَامَ الَّذِي وَقَعَ لَهُ فِيهِ أَلْقَاهُ الشَّيْطَانُ لَهُ فِي ذِهْنِهِ وَالنَّفْسُ الْأَمَّارَةُ؛ لِأَنَّهُمَا يُوَسْوِسَانِ لَهُ فِي حَالِ يَقَظَتِهِ فَكَيْفَ فِي حَالِ نَوْمِهِ وَلِأَجْلِ هَذَا الْمَعْنَى قَالَ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ عَلَى مَا سَمِعْت سَيِّدِي أَبَا مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ غَيْرَ مَا مَرَّةٍ نَقْلًا عَنْ الْعُلَمَاءِ إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا رُئِيَ فِي الْمَنَامِ فَأَمَرَ

الصفحة 287