كتاب المدخل لابن الحاج (اسم الجزء: 4)

بِشَيْءٍ أَوْ نَهَى عَنْ شَيْءٍ فَالْوَاجِبُ فِيهِ أَنْ يُعْرَضَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، فَإِنْ وَافَقَ عَلِمَ أَنَّ الرُّؤْيَا حَقٌّ وَأَنَّ الْكَلَامَ حَقٌّ وَتَكُونُ الرُّؤْيَا تَأْنِيسًا لِلرَّائِي وَبِشَارَةً لَهُ، وَإِنْ خَالَفَتْ عَلِمَ أَنَّ الرُّؤْيَا حَقٌّ وَأَنَّ الشَّيْطَانَ أَوْصَلَ إلَى سَمْعِ الرَّائِي غَيْرَ مَا تَكَلَّمَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَوْ كَانَ الْمَنَامُ مِمَّا يُتَعَبَّدُ بِهِ لَبَيَّنَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ نَبَّهَ عَلَيْهِ أَوْ أَشَارَ إلَيْهِ وَلَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً كَمَا فَعَلَ فِي غَيْرِهِ.
وَقَدْ نَقَلَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي أَوَائِلِ كِتَابِ تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ فِي أَثْنَاءِ الْكَلَامِ عَلَى خَصَائِصِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ وَمِنْهُ أَنَّ مَنْ رَآهُ فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآهُ حَقًّا فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَمَثَّلُ فِي صُورَتِهِ، وَلَكِنْ لَا يُعْمَلُ بِمَا يَسْمَعُهُ الرَّائِي مِنْهُ فِي الْمَنَامِ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْأَحْكَامِ خِلَافَ مَا اسْتَقَرَّ فِي الشَّرْعِ لِعَدَمِ ضَبْطِ الرَّائِي لَا لِلشَّكِّ فِي الرُّؤْيَا؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ لَا يُقْبَلُ إلَّا مِنْ ضَابِطٍ مُكَلَّفٍ وَالنَّائِمُ بِخِلَافِهِ فَعَلَى هَذَا فَمَنْ رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَنَامِهِ وَخَاطَبَهُ وَكَلَّمَهُ وَوَصَلَ إلَى ذِهْنِ الرَّائِي لَفْظٌ أَوْ أَلْفَاظٌ مِنْ الْعَوَائِدِ الَّتِي هِيَ وَاقِعَةٌ فِي زَمَنِ الرَّائِي أَوْ قَبْلَهُ وَتَكُونُ مُخَالِفَةً لِشَرِيعَتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَلَا يَجُوزُ لَهُ وَلَا لِغَيْرِهِ التَّدَيُّنُ بِهَا وَلَا أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ مَا وَصَلَ إلَى ذِهْنِهِ فِي مَنَامِهِ مِمَّا خَالَفَ الشَّرِيعَةَ الْمُطَهَّرَةَ أَنَّهُ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ تَنْزِيهَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ نِسْبَةِ ذَلِكَ وَمَا شَاكَلَهُ إلَيْهِ وَاجِبٌ مُتَعَيِّنٌ.
إذْ أَنَّ الْعِصْمَةَ فِي رُؤْيَا صُورَتِهِ الْكَرِيمَةِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَيْسَ إلَّا دُونَ مَا يَكُونُ مِنْ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ. سِيَّمَا وَقَدْ نَقَلَ الْقَرَافِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كِتَابِ الذَّخِيرَةِ لَهُ قَالَ قَالَ الْعُلَمَاءُ: لَا تَصِحُّ رُؤْيَا النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطْعًا إلَّا لِرَجُلَيْنِ صَحَابِيٌّ رَآهُ أَوْ حَافِظٌ لِصِفَتِهِ حِفْظًا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ السَّمَاعِ مَا يَحْصُلُ لِلرَّائِيِّ لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ الرُّؤْيَا حَتَّى لَا يَلْتَبِسَ عَلَيْهِ مِثَالُهُ مِنْ كَوْنِهِ أَسْوَدَ أَوْ أَبْيَضَ أَوْ شَيْخًا أَوْ شَابًّا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِ الرَّائِي الَّتِي تَظْهَرُ فِيهِ كَمَا تَظْهَرُ فِي الْمِرْآةِ أَحْوَالُ الرَّائِينَ. وَتِلْكَ الْأَحْوَالُ صِفَةُ الرَّائِينَ لَا صِفَةُ الْمِرْآةِ

الصفحة 288