كتاب المدخل لابن الحاج (اسم الجزء: 4)

مُحْتَرِقَةً أَوْ عَفِنَةً.
وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ «الدِّينُ النَّصِيحَةُ» وَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَنْ يَحْذَرَ مِمَّا يَفْعَلُهُ بَعْضُ النَّاسِ مِنْ أَنَّهُ يَقِيسُ عَرْضَ الْخِرْقَةِ مِنْ الطَّيَّةِ الْأُولَى وَهُوَ مَوْضِعُ وَجْهِهَا؛ لِأَنَّهَا فِي عُرْفِهِمْ أَعْرَضُ مِمَّا تَحْتَهَا بِسَبَبِ مَطِّهِمْ وَجَذْبِهِمْ لَهَا حَتَّى يَزِيدَ عَلَى بَاطِنِ الْخِرْقَةِ.
وَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَنَّهُ إذَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ الْخِرْقَةِ مَا هِيَ مَنْسُوبَةٌ إلَى بَلَدٍ وَأَغْرَاضُ النَّاسِ تَمِيلُ إلَى قُمَاشِ ذَلِكَ الْبَلَدِ أَنْ لَا يَبِيعَ شَيْئًا مِنْ قُمَاشِ غَيْرِ ذَلِكَ الْبَلَدِ وَيَنْسِبَهُ إلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ بَيْنَ الْبَلَدَيْنِ قُرْبٌ يَسِيرٌ فَإِنَّ الْأَغْرَاضَ مُخْتَلِفَةٌ فِي ذَلِكَ فَيَحْتَاجُ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّ مَوْضِعَ هَذِهِ كَذَا وَمَوْضِعَ هَذِهِ كَذَا فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ فَهُوَ كِذْبٌ وَغِشٌّ وَذَلِكَ مَمْنُوعٌ سَوَاءٌ زَادَ الثَّمَنُ أَوْ نَقَصَ أَوْ كَانَا بِالسَّوَاءِ.
وَقَرِيبٌ مِنْ هَذَا أَنَّهُ إذَا عُرِفَ صَانِعٌ يُحْسِنُ مَا يَنْسِجُهُ وَتَغَالَى النَّاسُ فِي الثَّوْبِ الْمَنْسُوبِ إلَيْهِ فَلَا يَبِيعُ شَيْئًا مِنْ عَمَلِ غَيْرِهِ وَيَنْسِبُهُ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مِثْلَهُ أَوْ أَحْسَنَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الْغِشِّ وَالْكَذِبِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَوْ عَلِمَ ذَلِكَ لَنَفَرَ مِنْ شِرَاءِ الْخِرْقَةِ، وَإِنْ أَعْجَبَتْهُ لِأَنَّ الْعَادَةَ قَدْ جَرَتْ أَنَّ بَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ وَالصَّانِعِينَ تَفَاوُتًا فِي الْأَغْرَاضِ فَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ النُّصْحُ وَعَدَمُ الْكَذِبِ أَيْضًا.
وَيَنْبَغِي لَهُ إذَا جَاءَهُ الْمُشْتَرِي يَطْلُبُ مِنْهُ خِرْقَةً أَنْ يَسْأَلَ مِنْهُ عَمَّا يُرِيدُ فَيُخْرِجُ لَهُ أَوَّلًا غَرَضَهُ الَّذِي طَلَبَهُ.
وَيَحْذَرُ مِمَّا يَفْعَلُهُ بَعْضُهُمْ مِنْ كَوْنِهِ لَا يُخْرِجُ لَهُ أَوَّلًا بَلْ يَعْرِضُ عَلَيْهِ خِرْقَةً دُونَ مَا طَلَبَ ثُمَّ ثَانِيًا فَوْقَهُ قَلِيلًا ثُمَّ كَذَلِكَ ثُمَّ يُخْرِجُ لَهُ آخِرًا غَرَضَهُ وَكُلَّمَا أَخْرَجَ لَهُ خِرْقَةً ذَكَرَ ثَمَنَهَا بِنَحْوٍ مِنْ ثَمَنِ الْخِرْقَةِ الْمَطْلُوبَةِ مِنْهُ بِذَلِكَ لِيُوَطِّنَهُ عَلَى ثَمَنِ الْخِرْقَةِ الَّتِي طَلَبَهَا مِنْهُ وَلِكَيْ يُحَسِّنَهَا فِي عَيْنِ الْمُشْتَرِي إذَا عَرَضَ عَلَيْهِ وَهُوَ أَدْنَى مِنْهَا وَهُوَ يُقَارِبُهَا فِي الثَّمَنِ وَهَذَا مِنْ بَابِ الْغِشِّ أَيْضًا وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ لَا يَتَّفِقَ مَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الثَّمَنِ بِنَفْسِ رُؤْيَةِ وَجْهِ الْخِرْقَةِ، بَلْ حَتَّى يَطَّلِعَ عَلَى جَمِيعِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْهَا فَبَعْدَ مَعْرِفَتِهِ بِذَلِكَ حِينَئِذٍ يَتَّفِقُ مَعَهُ عَلَى ثَمَنِهَا وَلَا يَتَّفِقُ مَعَهُ عَلَى الثَّمَنِ حِينَ رُؤْيَةِ الْوَجْهِ؛ لِأَنَّ بَيْنَهُمَا بَوْنًا كَثِيرًا فِي الْعَادَةِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَهُوَ غِشٌّ لِمَا عُلِمَ.
وَعُهِدَ فِي هَذَا الزَّمَانِ مِنْ أَنَّ وَجْهَ الْخِرْقَةِ يُحَسِّنُونَهُ بِالنَّسْجِ وَغَيْرِهِ

الصفحة 29