كتاب المدخل لابن الحاج (اسم الجزء: 4)

فِي دُكَّانِهِ وَهُوَ مُطْرِقٌ بِرَأْسِهِ إلَى الْأَرْضِ مُقْبِلٌ عَلَى ذِكْرِ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ مُتَشَاغِلًا عَمَّا أَهْلُ السُّوقِ فِيهِ مِنْ اللَّهْوِ وَالْغَفْلَةِ؛ لِأَنَّ مَوْضِعَ الْأَسْوَاقِ وَالطُّرُقَاتِ تَظْهَرُ فِيهِ عَوْرَاتٌ كَثِيرَةٌ يَجِبُ تَغْيِيرُهَا.
وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ» إلَخْ.
فَإِنْ هُوَ الَّذِي جَلَسَ فِي السُّوقِ يَسْمَعُ كَلَامَهُمْ فَقَدْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَشْيَاءُ كَانَ عَنْهَا فِي غِنًى وَقَدْ يَعْجِزُ عَنْ بَعْضِهَا أَوْ كُلِّهَا.
وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْجُلُوسِ عَلَى الطُّرُقَاتِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ.

وَالْجَالِسُ فِي الدُّكَّانِ جَالِسٌ عَلَى الطَّرِيقِ فَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ غَضُّ بَصَرِهِ جَهْدَهُ.
وَكَذَلِكَ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يُلْقِيَ سَمْعَهُ لِمَا أَهْلُ السُّوقِ يَخُوضُونَ فِيهِ وَيَنْوِي بِذَلِكَ امْتِثَالَ السُّنَّةِ وَلِئَلَّا تَتَعَمَّرَ ذِمَّتُهُ بِمَا لَا يَعْنِيه وَإِذَا تَعَمَّرَتْ قَلَّ أَنْ تَتَخَلَّصَ.
وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ لَا يُمَازِحَ أَهْلَ السُّوقِ وَلَا يُبَاسِطَهُمْ؛ لِأَنَّهُ إنْ فَعَلَ ذَلِكَ جَلَسَ النَّاسُ عِنْدَهُ فِي الدُّكَّانِ وَهُوَ مَأْمُورٌ بِغَضِّ بَصَرِهِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَمَأْمُورٌ أَنْ لَا يَجْلِسَ عَلَى الطُّرُقَاتِ وَفِي الْأَسْوَاقِ إلَّا لِضَرُورَةٍ وَالضَّرُورَةُ هِيَ الَّتِي دَعَتْهُ إلَى الْجُلُوسِ فِي السُّوقِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَمَاكِنِ الْحِرَفِ فَمَنْ جَلَسَ مَعَهُ لَيْسَ لَهُ ضَرُورَةٌ دَاعِيَةٌ إلَى الْجُلُوسِ فَفِي فِعْلِ ذَلِكَ مُصَادَمَةٌ لِنَهْيِ صَاحِبِ الشَّرْعِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ - نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ ذَلِكَ.
وَيَنْبَغِي لَهُ أَنَّهُ إذَا جَاءَتْهُ امْرَأَةٌ تَشْتَرِي مِنْهُ أَنْ يَنْظُرَ فِي أَمْرِهَا فَإِنْ كَانَ عَلَيْهَا الرَّقِيقُ مِنْ الثِّيَابِ أَوْ كَانَتْ مِمَّنْ تُظْهِرُ مِعْصَمَهَا أَوْ شَيْئًا مِنْ زِينَتِهَا أَوْ تَتَكَلَّمُ بِكَلَامٍ فِيهِ لُيُونَةٌ وَرِقَّةٌ فَيَعْمَلُ عَلَى تَرْكِ الْبَيْعِ لَهَا مَعَ الْمُدَارَاةِ لَهَا حَتَّى تَنْصَرِفَ عَنْهُ بِسَلَامٍ؛ لِأَنَّ بَعْضَ النِّسَاءِ فِي هَذَا الزَّمَانِ مَتَى شَعَرْنَ بِمَنْ يَتَوَرَّعُ عَنْ مُخَالَطَتِهِنَّ تَسَلَّطْنَ عَلَيْهِ بِالْأَذِيَّةِ بِبَذَاءَةِ اللِّسَانِ وَالْكَلَامِ الْمُنْكَرِ.
وَهَذِهِ بَلِيَّةٌ عُظْمَى وَقَعَتْ فِي هَذَا الزَّمَانِ فَتَجِدُ الْبَزَّازَ فِي الْغَالِبِ لَا يَخْلُو دُكَّانُهُ مِنْ امْرَأَةٍ أَوْ مَا زَادَ عَلَيْهَا مَعَ وُجُودِ لُبْسِ الرَّقِيقِ وَالتَّحَلِّي وَالزِّينَةِ وَالتَّبَرُّجِ حَتَّى كَأَنَّ بَعْضَهُنَّ مَعَ أَزْوَاجِهِنَّ أَوْ ذَوِي مَحَارِمِهِنَّ عَلَى مَا يُعْلَمُ مِنْ عَادَتِهِنَّ فِي ذَلِكَ.
وَقَدْ

الصفحة 32