كتاب المدخل لابن الحاج (اسم الجزء: 4)

وَرَدَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ «بَاعِدُوا بَيْنَ أَنْفَاسِ النِّسَاءِ وَأَنْفَاسِ الرِّجَالِ» ثُمَّ إنَّ بَعْضَهُنَّ اعْتَدْنَ مَعَ ذَلِكَ عَادَةً ذَمِيمَةً وَهِيَ أَنَّ الْوَاحِدَةَ مِنْهُنَّ تَأْتِي بِزَوْجِهَا لِتَشْتَرِيَ مَا تَخْتَارُهُ فَإِذَا جَلَسَتْ عَلَى الدُّكَّانِ ذَهَبَ زَوْجُهَا إلَى مَكَان آخَرَ وَتَرَكَهَا وَهَذِهِ بَلِيَّةٌ عَظِيمَةٌ وَفِتْنَةٌ؛ لِأَنَّهَا إنْ جَلَسَتْ وَحْدَهَا عَلَى الدُّكَّانِ فَهِيَ مِنْ أَعْظَمِ الْفِتَنِ، وَإِنْ كَانَ مَعَهَا غَيْرُهَا مِنْ النِّسَاءِ تَزَايَدَتْ الْفِتَنُ وَتَعَدَّدَتْ وَكَثُرَتْ الْمِحَنُ وَتَضَاعَفَتْ سِيَّمَا إنْ كَانَ صَاحِبُ الدُّكَّانِ شَابًّا فَإِنَّهُنَّ يَعْمَلْنَ عَلَيْهِ أَنْوَاعَ الْحِيَلِ وَالْمَكْرِ سِيَّمَا إنْ كَانَ لَيْسَ بِمُتَأَهِّلٍ فَتَزِيدُهُ الْفِتَنُ وَقَلَّ أَنْ يَتَخَلَّصَ مِنْ شَبَائِكِهِنَّ وَأَنْ تَخْلُصَ لَهُ سَاعَةٌ دُونَ سَيِّئَةٍ يَرْتَكِبُهَا إمَّا بِعَيْنِهِ أَوْ بِإِذْنِهِ أَوْ بِلِسَانِهِ أَوْ بِيَدِهِ أَوْ بِقَلْبِهِ.
وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ حَامَ حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ» حَتَّى أَنَّ بَعْضَهُنَّ لِتَسْأَلَ صَاحِبَ الدُّكَّانِ أَلَك زَوْجَةٌ أَلَك جَارِيَةٌ فَإِنْ شَعُرْنَ مِنْهُ بِالتَّعَفُّفِ عَمِلْنَ عَلَيْهِ الْحِيلَةَ فِيمَا يَرِدْنَهُ مِنْهُ مِنْ مَالٍ أَوْ غَيْرِهِ فَإِنْ عَجَزْنَ عَنْهُ وَقَلَّتْ حِيلَتَهُنَّ فِيهِ يَسْخَرْنَ بِهِ وَيَجْعَلْنَهُ مُثْلَةً وَيَعِبْنَ عَلَيْهِ الْخَيْرَ وَالتَّعَفُّفَ وَيَتَّهِمْنَهُ فِي دِينِهِ وَيَنْسِبْنَهُ إلَى كَثَافَةِ الطَّبْعِ وَيَقُلْنَ إنَّ مَا هُوَ فِيهِ لَيْسَ بِحَقِيقَةٍ بَلْ يَسْتَعْمِلُ ذَلِكَ لِلرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ عِنْدَ الْخَلْقِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَهُوَ كَثِيرٌ وَحِيَلُهُنَّ فِي هَذَا وَغَيْرِهِ قَلَّ أَنْ تَنْحَصِرَ حَتَّى لَقَدْ تَلِفَ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ بِسَبَبِهِنَّ سِيَّمَا فِي مُعَامَلَتِهِنَّ مَعَ أَزْوَاجِهِنَّ فَبَعْضُ النَّاسِ أَتْلَفْنَ عَلَيْهِ دِينَهُ وَبَعْضُهُمْ نَفْسَهُ وَبَعْضُهُمْ مَالَهُ وَبَعْضُهُمْ أَطْعَمْنَهُ فَتَجَذَّمَ وَبَعْضُهُمْ تَوَلَّهَ فِي عَقْلِهِ أَوْ تَجَنَّنَ وَبَعْضُهُمْ تَكَسَّحَ وَبَعْضُهُمْ سَحَرْنَهُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَهُوَ كَثِيرٌ فَهُنَّ مَصَائِدُ الشَّيْطَانِ وَبِسَبَبِ غِوَايَتِهِنَّ يَتَوَصَّلُ إلَى افْتِتَانِ أَهْلِ الْإِيمَانِ فَهُنَّ أَشَدُّ مِنْهُ كَيْدًا قَالَ تَعَالَى {إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ} [يوسف: 28] وَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} [النساء: 76] وَهَذَا هُوَ حَالُ الْغَالِبِ مِنْهُنَّ.
وَقَدْ يُوجَدُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ مَنْ هِيَ مُلَازِمَةٌ لِبَيْتِهَا مُسْتَتِرَةٌ مُتَعَفِّفَةٌ مُحَافِظَةٌ عَلَى صَلَاتِهَا حَافِظَةٌ لِحَقِّ بَعْلِهَا فَمَنْ وُجِدَتْ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ فَهُوَ فَضْلٌ عَظِيمٌ وَخَيْرٌ

الصفحة 33