كتاب المدخل لابن الحاج (اسم الجزء: 4)

عَلَى التَّمَسُّكِ بِأَلْفَاظِهَا وَعَدَمِ الْعُدُولِ إلَى غَيْرِهَا «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعَلِّمُنَا الِاسْتِخَارَةَ فِي الْأُمُورِ كُلِّهَا كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ» وَالْقُرْآنُ قَدْ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُغَيَّرَ وَلَا يُزَادَ فِيهِ وَلَا يَنْقُصَ مِنْهُ وَإِذَا نَصَّ فِيهِ عَلَى الْحُكْمِ نَصًّا لَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ لَا يَرْجِعُ لِغَيْرِهِ.
وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلَا يَعْدِلُ عَنْ تِلْكَ الْأَلْفَاظِ الْمُبَارَكَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الِاسْتِخَارَةِ إلَى غَيْرِهَا مِنْ الْأَلْفَاظِ الَّتِي يَخْتَارُهَا الْمَرْءُ لِنَفْسِهِ وَلَا غَيْرِهَا مِنْ مَنَامٍ يَرَاهُ هُوَ أَوْ يَرَاهُ لَهُ غَيْرُهُ أَوْ انْتِظَارِ فَأْلٍ أَوْ نَظَرٍ فِي اسْمِ الْأَيَّامِ.
قَالَ مَالِكٌ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْأَيَّامُ كُلُّهَا أَيَّامُ اللَّهِ.
أَوْ انْتِظَارُ مَنْ يَدْخُلُ عَلَيْهِ فَيَنْظُرُ فِي اسْمِهِ فَيَشْتَقُّ مِنْهُ مَا يُوجِبُ عِنْدَهُ الْفِعْلَ أَوْ التَّرْكَ.
وَمِنْ النَّاسِ هُوَ أَسْوَأُ حَالًا مِنْ هَذَا وَهُوَ مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُهُمْ مِنْ الرُّجُوعِ إلَى قَوْلِ الْمُنَجِّمِينَ وَالنَّظَرِ فِي النُّجُومِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَاطَاهُ بَعْضُهُمْ فَمَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِمَّا ذُكِرَ أَوْ غَيْرَهُ وَتَرَكَ الِاسْتِخَارَةَ الشَّرْعِيَّةَ فَلَا شَكَّ فِي فَسَادِ رَأْيِهِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مِنْ الْقُبْحِ إلَّا أَنَّهُ مِنْ قِلَّةِ الْأَدَبِ مَعَ صَاحِبِ الشَّرْعِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اخْتَارَ لِلْمُكَلَّفِ مَا جَمَعَ لَهُ فِيهِ بَيْنَ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ بِلَفْظٍ يَسِيرٍ وَجِيزٍ وَاخْتَارَ هُوَ لِنَفْسِهِ غَيْرَ ذَلِكَ فَالْمُخْتَارُ فِي الْحَقِيقَةِ إنَّمَا هُوَ مَا اخْتَارَهُ الْمُخْتَارُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ.
عَلَى هَذَا فَلَا يَشُكُّ وَلَا يَرْتَابُ فِي أَنَّ مَنْ عَدَلَ عَنْ تِلْكَ الْأَلْفَاظِ الْمُبَارَكَةِ إلَى غَيْرِهَا فَإِنَّهُ يَخَافُ عَلَيْهِ مِنْ التَّأْدِيبِ أَنْ يَقَعَ بِهِ وَأَنْوَاعُهُ مُخْتَلِفَةٌ إمَّا عَاجِلًا وَإِمَّا آجِلًا فِي نَفْسِهِ أَوْ وَلَدِهِ أَوْ مَالِهِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ.
ثُمَّ اُنْظُرْ رَحِمَنَا اللَّهُ تَعَالَى وَإِيَّاكَ إلَى حِكْمَةِ أَمْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْمُكَلَّفَ بِأَنْ يَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ وَمَا ذَاكَ إلَّا أَنَّ صَاحِبَ الِاسْتِخَارَةِ يُرِيدُ أَنْ يَطْلُبَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى قَضَاءَ حَاجَتِهِ.
وَقَدْ مَضَتْ الْحِكْمَةُ أَنَّ مِنْ الْأَدَبِ قَرْعَ بَابِ مَنْ تُرِيدُ حَاجَتَكَ مِنْهُ، وَقَرْعُ بَابِ الْمَوْلَى سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إنَّمَا هُوَ بِالصَّلَاةِ.
لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ أَحَدَكُمْ إذَا كَانَ فِي صَلَاتِهِ فَإِنَّهُ يُنَاجِي رَبَّهُ» وَلِأَنَّهَا جَمَعَتْ بَيْنَ آدَابٍ جُمْلَةٍ.
فَمِنْهَا خُرُوجُهُ عَنْ الدُّنْيَا كُلِّهَا وَأَحْوَالِهَا

الصفحة 38