كتاب المدخل لابن الحاج (اسم الجزء: 4)

عَلَى اللَّهِ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ» لِمَا وَرَدَ «أَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَقُولُ لَهُ: هُدِيت وَكُفِيت وَوُقِيت» .
وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا خَرَجَ مِنْ مَنْزِلِهِ يَقُولُ ذَلِكَ فَعِنْدَ السَّفَرِ مِنْ بَابِ أَوْلَى

[فَصْلٌ يَنْبَغِي لتاجر البز أَنْ يَتَصَدَّقَ حِينَ خُرُوجِهِ]
(فَصْلٌ) وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ حِينَ خُرُوجِهِ، وَكَذَلِكَ يَفْعَلُ بَيْنَ يَدَيْ كُلِّ وِجْهَةٍ يَتَوَجَّهُ إلَيْهَا أَوْ حَاجَةٍ يُرِيدُ أَنْ يَقْضِيَهَا أَوْ خَوْفٍ يُرِيدُ أَنْ يَأْمَنَ مِنْهُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ لِمَا وَرَدَ فِيهَا مِنْ تَحْصِيلِ الْمَآرِبِ وَدَفْعِ الْمَضَارِّ فَمِنْهُ «ارْحَمُوا مَنْ فِي الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ» وَلِأَنَّ الْمَسَاكِينَ رَحْمَةٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَلُطْفٌ بِالْأَغْنِيَاءِ حَتَّى تَحْصُلَ الْبَرَكَةُ لِلْجَمِيعِ.
فَالْمَسَاكِينُ لِقَضَاءِ ضَرُورَاتِهِمْ وَالْأَغْنِيَاءُ لِقَضَاءِ مَآرِبِهِمْ وَدَفْعِ مَضَارِّهِمْ

[فَصْلٌ يَنْبَغِي لتاجر البز أَنْ يُكْثِرَ السَّيْرَ فِي اللَّيْل]
(فَصْلٌ) وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُكْثِرَ السَّيْرَ فِي اللَّيْل لِمَا وَرَدَ فِي الْخَبَرِ «عَلَيْكُمْ بِالدُّلْجَةِ فَإِنَّ الْأَرْضَ تُطْوَى بِاللَّيْلِ» .

وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُرِيحَ دَابَّتَهُ بِالنُّزُولِ عَنْهَا غُدْوَةً وَعَشِيَّةً وَعِنْدَ كُلِّ عَقَبَةٍ وَيَجْتَنِبَ النَّوْمَ عَلَى ظَهْرِهَا فَإِنْ حَمَّلَ الْمُكَارِي الدَّابَّةَ فَوْقَ طَاقَتِهَا لَزِمَ الْمُسْتَأْجِرَ الِامْتِنَاعُ مِنْ رُكُوبِهَا لِوُجُوهٍ:
أَحَدُهَا - مُخَالَفَةُ السُّنَّةِ الْمُطَهَّرَةِ.
وَالثَّانِي - تَحْمِيلُهَا مَا تَعْجَزُ عَنْهُ غَالِبًا وَهُوَ حَرَامٌ.
وَالثَّالِثُ - مَا يُؤَدِّي الْأَمْرُ إلَيْهِ مِنْ وُقُوفِ الدَّابَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ فَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ بَابِ إضَاعَةِ الْمَالِ وَهُوَ حَرَامٌ.
وَلَا بَأْسَ أَنْ يَرْدُفَ عَلَيْهَا إذَا كَانَتْ مِلْكَهُ وَأَطَاقَتْ ذَلِكَ وَأَمَّا مَعَ عَدَمِهِمَا أَوْ أَحَدِهِمَا فَلَا وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ لَا يَمْكُثَ عَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ وَهِيَ وَاقِفَةٌ زَمَانًا طَوِيلًا، وَإِنْ كَانَ لِشُغْلٍ بَلْ يَنْزِلُ عَنْهَا إلَى الْأَرْضِ حَتَّى يَقْضِيَ مَا يُرِيدُ، ثَمَّ إذْ أَرَادَ السَّيْرَ إنْ شَاءَ رَكِبَهَا، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهَا.
وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُرِيحَهَا مَهْمَا أَمْكَنَهُ أَكْثَرَ مِمَّا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ رَاحَةَ الدَّابَّةِ وَأَمْنًا مِنْ وُقُوفِهَا فِي الْغَالِبِ وَإِدْخَالَ السُّرُورِ عَلَى صَاحِبِهَا إنْ كَانَتْ بِكِرَاءٍ.
وَقَدْ وَرَدَ «فِي كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ حَرَّاءَ أَجْرٌ» وَأَمَّا الثَّوَابُ الَّذِي يَحْصُلُ لَهُ إدْخَالُ السُّرُورِ عَلَى أَخِيهِ الْمُسْلِمِ فَمَشْهُورٌ بَرَكَتُهُ وَخَيْرُهُ فَتَحْصُلُ لَهُ هَذِهِ الْخَيْرَاتُ وَمَعَ وُجُودِ رَاحَةِ بَدَنِهِ بِالْمَشْيِ؛ لِأَنَّ الْمَشْيَ فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ يُقَوِّي

الصفحة 47