كتاب المدخل لابن الحاج (اسم الجزء: 4)

فَصْلٌ)
وَلْيَحْذَرْ مِمَّا يَفْعَلُهُ بَعْضُهُمْ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ عِنْدَهُ سِلْعَةٌ يُشِيعُ بِأَنَّهَا مَعْدُومَةٌ عِنْدَ غَيْرِهِ وَأَنَّهَا عِنْدَهُ وَقَدْ طُلِبَتْ مِنْهُ بِكَذَا، وَكَذَا مِنْ الثَّمَنِ فَلَمْ يَرْضَ بِهِ وَيَشْكُرُهَا وَيَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ.
وَهَذَا قَدْ جَمَعَ بَيْنَ أَشْيَاءَ مَذْمُومَةٍ بَلْ بَعْضُهَا مُحَرَّمٌ أَمَّا الْمُحَرَّمُ فَقَوْلُهُ: إنَّهَا مَعْدُومَةٌ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ.
وَالثَّانِي - الْكَذِبُ فِي قَوْلِهِ: وَقَدْ طُلِبَتْ مِنْهُ بِكَذَا، وَكَذَا مِنْ الثَّمَنِ فَأَبَى أَنْ يَبِيعَهَا بِهِ وَهَذَا كَذِبٌ ثَانٍ إذْ أَخْبَرَ بِخِلَافِ مَا الْأَمْرُ عَلَيْهِ.
وَالثَّالِثُ - شُكْرُهُ لَهَا إنْ كَانَتْ عَلَى خِلَافِ مَا ذَكَرَ فَهُوَ كَذِبٌ ثَالِثٌ وَإِنْ كَانَتْ كَمَا ذَكَرَ عَنْهَا فَهُوَ مَذْمُومٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ اسْتِشْرَافِ النَّفْسِ بِالرَّغْبَةِ فِيهَا وَالتَّغْبِيطِ بِشَأْنِهَا عِنْدَ الْمُشْتَرِي عَكْسُ مَا كَانَ عَلَيْهِ السَّلَفُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.
وَالرَّابِعُ - حَلِفُهُ أَنَّهَا عَلَى صِفَةِ كَذَا وَكَذَا مِنْ الْحُسْنِ وَالْجَوْدَةِ وَهَذَا يَدُورُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: الْكَرَاهَةُ. وَالْآخَرُ: التَّحْرِيمُ.
أَمَّا الْكَرَاهَةُ فَهُوَ مَا إذَا حَلَفَ بِاَللَّهِ عَلَى مَا الْأَمْرُ عَلَيْهِ بِيَقِينٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ حُكْمِ الْحَلِفِ بِاَللَّهِ تَعَالَى.
وَأَمَّا التَّحْرِيمُ فَهُوَ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى شَيْءٍ وَالْأَمْرُ بِخِلَافِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا إذَا حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَوْ الْعَتَاقِ.

[فَصْلٌ قُعُود التاجر فِي بَيْتٍ مُظْلِمٍ وَيُقَلِّبُ السِّلَعَ عَلَى مَنْ يُرِيد شرائها]
(فَصْلٌ)
وَلْيَحْذَرْ مِمَّا يَفْعَلُهُ بَعْضُهُمْ وَهُوَ أَنْ يَقْعُدَ فِي بَيْتٍ مُظْلِمٍ وَيُقَلِّبُ السِّلَعَ عَلَى مَنْ يُرِيدُ شِرَاءَهَا لِيُظْهِرَ أَنَّهَا جَيِّدَةٌ وَكَانَتْ عَلَى خِلَافِهِ بِسَبَبِ ظَلَامِ الْمَوْضِعِ، ثُمَّ إنَّ بَعْضَهُمْ لَا يَفْتَحُ الْمَوْضِعَ إلَّا آخِرَ النَّهَارِ لِيَقِلَّ الضَّوْءُ فَيَحْسُنَ الْقُمَاشُ فِي عَيْنِ مُشْتَرِيهِ وَهَذَا كُلُّهُ مِنْ بَابِ الْغِشِّ وَالتَّحَيُّلِ عَلَى أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَهُوَ مُحَرَّمٌ.

(فَصْلٌ)
وَلْيَحْذَرْ مِمَّا يَفْعَلُهُ بَعْضُهُمْ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا بَاعَ سِلْعَةً وَأَرَادَ الْمُشْتَرِي أَخْذَهَا مَنَعَهُ غِلْمَانُ الْبَائِعِ مِنْهَا حَتَّى يُعْطِيَهُمْ شَيْئًا يُسَمُّونَهُ بِهِبَهِتِمْ وَبَائِعُ السِّلَعِ يَنْظُرُ إلَيْهِمْ، وَلَا يَمْنَعُهُمْ مِنْ ذَلِكَ وَهَذَا مَذْمُومٌ فِي الْفِعْلِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ» .

وَلْيَحْذَرْ مِمَّا يَفْعَلُهُ بَعْضُهُمْ وَهُوَ أَنَّهُ يَأْخُذُ تَوْقِيعًا مِمَّنْ لَهُ الْأَمْرُ عَلَى أَنَّهُ يُسَامِحُ فِي الطَّرِيقِ بِالْمَظَالِمِ الَّتِي

الصفحة 62