كتاب الأم للشافعي - ط الوفاء (اسم الجزء: 2)
نَرَاهُ إلَّا الْحَجَّ حَتَّى إذَا كُنَّا بِسَرِفٍ , أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا حِضْت فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنَا أَبْكِي فَقَالَ مَا بَالُكَ أَنُفِسْتِ ؟ قُلْت : نَعَمْ قَالَ إنَّ هَذَا أَمْرٌ كَتَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى بَنَاتِ آدَمَ فَاقْضِي الْحَاجَّ غَيْرَ أَنْ لاَ تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي ?
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَائِشَةَ أَنْ لاَ تَطُوفَ بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرَ , فَدَلَّ عَلَى أَنْ لاَ تُصَلِّيَ حَائِضًا ; لِأَنَّهَا غَيْرُ طَاهِرٍ مَا كَانَ الْحَيْضُ قَائِمًا وَكَذَلِكَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { حَتَّى يَطْهُرْنَ ? .
بَابُ أَنْ لاَ تَقْضِيَ الصَّلاَةَ حَائِضٌ
قَالَ الشَّافِعِيُّ : رحمه الله تعالى قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ?
قَالَ الشَّافِعِيُّ : فَلَمَّا لَمْ يُرَخِّصْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي أَنْ تُؤَخَّرَ الصَّلاَةُ فِي الْخَوْفِ وَأَرْخَصَ أَنْ يُصَلِّيَهَا الْمُصَلِّي كَمَا أَمْكَنَهُ رَاجِلاً , أَوْ رَاكِبًا وَقَالَ { إنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ?
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَكَانَ مَنْ عَقَلَ الصَّلاَةَ مِنْ الْبَالِغِينَ عَاصِيًا بِتَرْكِهَا إذَا جَاءَ وَقْتُهَا وَذَكَرَهَا وَكَانَ غَيْرَ نَاسٍ لَهَا وَكَانَتْ الْحَائِضُ بَالِغَةً عَاقِلَةً ذَاكِرَةً لِلصَّلاَةِ مُطِيقَةً لَهَا فَكَانَ حُكْمُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لاَ يَقْرَبُهَا زَوْجُهَا حَائِضًا وَدَلَّ حُكْمُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى أَنَّهُ إذَا حَرُمَ عَلَى زَوْجِهَا أَنْ يَقْرَبَهَا لِلْحَيْضِ حَرُمَ عَلَيْهَا أَنْ تُصَلِّيَ كَانَ فِي هَذَا دَلاَئِلُ عَلَى أَنَّ فَرْضَ الصَّلاَةِ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ زَائِلٌ عَنْهَا فَإِذَا زَالَ عَنْهَا وَهِيَ ذَاكِرَةٌ عَاقِلَةٌ مُطِيقَةٌ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا قَضَاءُ الصَّلاَةِ وَكَيْفَ تَقْضِي مَا لَيْسَ بِفَرْضٍ عَلَيْهَا بِزَوَالِ فَرْضِهِ عَنْهَا ,.
قال : وَهَذَا مِمَّا لاَ أَعْلَمُ فِيهِ مُخَالِفًا
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَالْمَعْتُوهُ وَالْمَجْنُونُ لاَ يُفِيقُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ فِي أَكْثَرَ مِنْ حَالِ الْحَائِضِ مِنْ أَنَّهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ وَفِي أَنَّ الْفَرَائِضَ عَنْهُمْ زَائِلَةٌ مَا كَانُوا بِهَذِهِ الْحَالِ كَمَا الْفَرْضُ عَنْهَا زَائِلٌ مَا كَانَتْ حَائِضًا وَلاَ يَكُونُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلاَءِ قَضَاءُ الصَّلاَةِ وَمَتَى أَفَاقَ وَاحِدٌ مِنْ هَؤُلاَءِ , أَوْ طَهُرَتْ حَائِضٌ فِي وَقْتِ الصَّلاَةِ فَعَلَيْهِمَا أَنْ يُصَلِّيَا ; لِأَنَّهُمَا مِمَّنْ عَلَيْهِ فَرْضُ الصَّلاَةِ .@
الصفحة 131