كتاب الأم للشافعي - ط الوفاء (اسم الجزء: 2)

قَالَ الشَّافِعِيُّ : فَقُلْت لِقَائِلِ هَذَا الْقَوْلِ : مَا أَدْرِي أَنْتَ فِي قَوْلِكَ الْأَوَّلِ أَضْعَفُ حُجَّةً أَمْ فِي هَذَا الْقَوْلِ قَالَ وَمَا فِي هَذَا الْقَوْلِ مِنْ الضَّعْفِ ؟ قُلْت : احْتِجَاجُكَ بِأَنْ جَعَلْتهَا مُصَلِّيَةً يَوْمًا وَتَارِكَةً لِلصَّلاَةِ يَوْمًا بِالْعِدَّةِ وَبَيْنَ هَذَا فَرْقٌ . قَالَ فَمَا تَقُولُ ؟ قُلْت : لاَ وَلاَ لِلصَّلاَةِ مِنْ الْعِدَّةِ سَبِيلٌ قَالَ فَكَيْفَ ذَلِكَ ؟ . قُلْت : أَرَأَيْت الْمُؤَيَّسَةَ مِنْ الْحَيْضِ الَّتِي لَمْ تَحِضْ وَالْحَامِلَ أَلَيْسَ يَعْتَدِدْنَ وَلاَ يَدَعْنَ الصَّلاَةَ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهُنَّ أَمْ لاَ تَخْلُو عِدَدُهُنَّ حَتَّى يَدَعْنَ الصَّلاَةَ فِي بَعْضِهَا أَيَّامًا كَمَا تَدَعُهَا الْحَائِضُ قَالَ بَلْ يَعْتَدِدْنَ وَلاَ يَدَعْنَ الصَّلاَةَ قُلْتُ : فَالْمَرْأَةُ تَطْلُقُ فَيُغْمَى عَلَيْهَا أَوْ تُجَنُّ , أَوْ يَذْهَبُ عَقْلُهَا أَلَيْسَ تَنْقَضِي عِدَّتُهَا وَلَمْ تُصَلِّ صَلاَةً وَاحِدَةً قَالَ بَلَى قُلْت فَكَيْفَ زَعَمْت أَنَّ عِدَّتَهَا تَنْقَضِي وَلَمْ تُصَلِّ أَيَّامًا وَتَدَعْ الصَّلاَةَ أَيَّامًا ؟ قَالَ مِنْ ذَهَابِ عَقْلِهَا وَأَنَّ الْعِدَّةَ لَيْسَتْ مِنْ الصَّلاَةِ قُلْتُ أَفَرَأَيْت الْمَرْأَةَ الَّتِي تَحِيضُ حَيْضَ النِّسَاءِ وَتَطْهُرُ طُهْرَهُنَّ إنْ اعْتَدَّتْ ثَلاَثَ حِيَضٍ , ثُمَّ ارْتَابَتْ فِي نَفْسِهَا قَالَ فَلاَ تُنْكَحُ حَتَّى تَسْتَبْرِئَ قُلْت : فَتَكُونُ مُعْتَدَّةً لاَ بِحَيْضٍ وَلاَ بِشُهُورٍ وَلَكِنْ بِاسْتِبْرَاءٍ قَالَ نَعَمْ إذَا آنَسَتْ شَيْئًا تَخَافُ أَنْ يَكُونَ حَمْلاً . قُلْتُ : وَكَذَلِكَ الَّتِي تَعْتَدُّ بِالشُّهُورِ وَإِنْ ارْتَابَتْ كَفَّتْ عَنْ النِّكَاحِ قَالَ نَعَمْ قُلْت ; لِأَنَّ الْبَرِيئَةَ إذَا كَانَتْ مُخَالِفَةً غَيْرَ الْبَرِيئَةِ قَالَ نَعَمْ وَالْمَرْأَةُ تَحِيضُ يَوْمًا وَتَطْهُرُ يَوْمًا أَوْلَى أَنْ تَكُونَ مُرْتَابَةً وَغَيْرَ بَرِيئَةٍ مِنْ الْحَمْلِ مِمَّنْ سَمَّيْت وَقَدْ عَقَلْنَا عَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ فِي الْعِدَّةِ مَعْنَيَيْنِ : بَرَاءَةٌ وَزِيَادَةُ تَعَبُّدٍ بِأَنَّهُ جَعَلَ عِدَّةَ الطَّلاَقِ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ , أَوْ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ وَجَعَلَ عِدَّةَ الْحَامِلِ وَضْعَ الْحَمْلِ وَذَلِكَ غَايَةُ الْبَرَاءَةِ وَفِي ثَلاَثَةِ قُرُوءٍ بَرَاءَةٌ وَتَعَبُّدٌ ; لِأَنَّ حَيْضَتَهُنَّ مُسْتَقِيمَةٌ تُبْرِئُ فَعَقَلْنَا أَنْ لاَ عِدَّةَ إلَّا وَفِيهَا بَرَاءَةٌ , أَوْ بَرَاءَةٌ وَزِيَادَةٌ ; لِأَنَّ الْعِدَّةَ لَمْ تَكُنْ أَقَلَّ مِنْ ثَلاَثَةِ أَشْهُرٍ , أَوْ ثَلاَثَةِ قُرُوءٍ , أَوْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ , أَوْ وَضْعِ حَمْلٍ وَالْحَائِضُ يَوْمًا وَطَاهِرٌ يَوْمًا لَيْسَتْ فِي مَعْنَى بَرَاءَةٍ وَقَدْ لَزِمَكَ بِأَنْ أَبْطَلْت عِدَّةَ الْحَيْضِ وَالشُّهُورِ وَبَايَنْت بِهَا إلَى الْبَرَاءَةِ إذَا ارْتَابَتْ كَمَا زَعَمْت أَنَّهُ يَلْزَمُنَا فِي الَّتِي تَحِيضُ يَوْمًا وَتَدَعُ يَوْمًا .@

الصفحة 145