كتاب الأم للشافعي - ط الوفاء (اسم الجزء: 2)

قَالَ الشَّافِعِيُّ : فَقِسْنَا عَلَى مَا عَقَلْنَا مِمَّا وَصَفْنَا وَكَانَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَبَيْنَ مَا سِوَاهُمَا مِمَّا لاَ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهَا شَيْءٌ حُرِّمَ أَنْ يُتَّخَذَ إلَّا لِمَعْنًى , وَالْكَلْبُ حُرِّمَ أَنْ يُتَّخَذَ لاَ لِمَعْنَى وَجَعَلَ يَنْقُصُ مِنْ عَمَلِ مَنْ اتَّخَذَهُ مِنْ غَيْرِ مَعْنًى كُلَّ يَوْمٍ - قِيرَاطٌ أَوْ قِيرَاطَانِ مَعَ مَا يَتَفَرَّقُ بِهِ مِنْ أَنَّ الْمَلاَئِكَةَ لاَ تَدْخُلُ بَيْتًا هُوَ فِيهِ , وَغَيْرِ ذَلِكَ فَفَضْلُ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ الدَّوَابِّ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ أَوْ لاَ يُؤْكَلُ حَلاَلٌ إلَّا الْكَلْبَ وَالْخِنْزِيرَ . .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : فَإِذَا تَغَيَّرَ الْمَاءُ الْقَلِيلُ أَوْ الْكَثِيرُ فَأَنْتَنَ أَوْ تَغَيَّرَ لَوْنُهُ بِلاَ حَرَامٍ خَالَطَهُ فَهُوَ عَلَى الطَّهَارَةِ , وَكَذَلِكَ لَوْ بَالَ فِيهِ إنْسَانٌ فَلَمْ يَدْرِ أَخَالَطَهُ نَجَاسَةٌ أَمْ لاَ وَهُوَ مُتَغَيِّرُ الرِّيحِ أَوْ اللَّوْنِ أَوْ الطَّعْمِ فَهُوَ عَلَى الطَّهَارَةِ حَتَّى تُعْلَمَ نَجَاسَتُهُ ; لِأَنَّهُ يُتْرَكُ لاَ يُسْتَقَى مِنْهُ فَيَتَغَيَّرُ , وَيُخَالِطُهُ الشَّجَرُ وَالطُّحْلُبُ فَيُغَيِّرُهُ .
( قَالَ ) : وَإِذَا وَقَعَ فِي الْمَاءِ شَيْءٌ حَلاَلٌ فَغَيَّرَ لَهُ رِيحًا أَوْ طَعْمًا , وَلَمْ يَكُنْ الْمَاءُ مُسْتَهْلَكًا فِيهِ فَلاَ بَأْسَ أَنْ يَتَوَضَّأَ بِهِ وَذَلِكَ أَنْ يَقَعَ فِيهِ الْبَانُ أَوْ الْقَطْرَانُ فَيَظْهَرُ رِيحُهُ أَوْ مَا أَشْبَهَهُ .
وَإِنْ أَخَذَ مَاءً فَشِيبَ بِهِ لَبَنٌ أَوْ سَوِيقٌ أَوْ عَسَلٌ فَصَارَ الْمَاءُ مُسْتَهْلَكًا فِيهِ لَمْ يُتَوَضَّأْ بِهِ ; لِأَنَّ الْمَاءَ مُسْتَهْلَكٌ فِيهِ إنَّمَا يُقَالُ لِهَذَا مَاءُ سَوِيقٍ وَلَبَنٍ وَعَسَلٍ مَشُوبٌ وَإِنْ طُرِحَ مِنْهُ فِيهِ شَيْءٌ قَلِيلٌ يَكُونُ مَا طُرِحَ فِيهِ مِنْ سَوِيقٍ وَلَبَنٍ وَعَسَلٍ مُسْتَهْلَكًا فِيهِ , وَيَكُونُ لَوْنُ الْمَاءِ الظَّاهِرُ وَلاَ طَعْمَ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا فِيهِ تَوَضَّأَ بِهِ , وَهَذَا مَاءٌ بِحَالِهِ وَهَكَذَا كُلُّ مَا خَالَطَ الْمَاءَ مِنْ طَعَامٍ , وَشَرَابٍ وَغَيْرِهِ إلَّا مَا كَانَ الْمَاءُ قَارًّا فِيهِ , فَإِذَا كَانَ الْمَاءُ قَارًّا فِي الْأَرْضِ فَأَنْتَنَ أَوْ تَغَيَّرَ تَوَضَّأَ بِهِ ; لِأَنَّهُ لاَ اسْمَ لَهُ دُونَ الْمَاءِ , وَلَيْسَ هَذَا كَمَا خُلِطَ بِهِ مِمَّا لَمْ يَكُنْ فِيهِ .
وَلَوْ صَبَّ عَلَى الْمَاءِ مَاءَ وَرْدٍ فَظَهَرَ رِيحُ مَاءِ الْوَرْدِ عَلَيْهِ لَمْ يَتَوَضَّأْ بِهِ ; لِأَنَّ الْمَاءَ مُسْتَهْلَكٌ فِيهِ وَالْمَاءُ الظَّاهِرُ لاَ مَاءُ الْوَرْدِ.
قال : وَكَذَلِكَ لَوْ صُبَّ عَلَيْهِ قَطْرَانٌ فَظَهَرَ رِيحُ الْقَطْرَانِ فِي الْمَاءِ لَمْ يَتَوَضَّأْ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ تَوَضَّأَ بِهِ ; لِأَنَّ الْقَطْرَانَ وَمَاءَ الْوَرْدِ يَخْتَلِطَانِ بِالْمَاءِ فَلاَ يَتَمَيَّزَانِ مِنْهُ .
وَلَوْ صُبَّ فِيهِ دُهْنٌ طَيِّبٌ أَوْ أُلْقِيَ فِيهِ عَنْبَرٌ أَوْ عُودٌ أَوْ شَيْءٌ ذُو رِيحٍ لاَ يَخْتَلِطُ بِالْمَاءِ فَظَهَرَ رِيحُهُ فِي الْمَاءِ تَوَضَّأَ بِهِ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمَاءِ شَيْءٌ مِنْهُ يُسَمَّى الْمَاءُ مَخُوضًا بِهِ , وَلَوْ كَانَ صُبَّ فِيهِ مِسْكٌ أَوْ ذَرِيرَةٌ أَوْ شَيْءٌ يَنْمَاعُ فِي الْمَاءِ حَتَّى يَصِيرَ الْمَاءُ غَيْرَ مُتَمَيِّزٍ مِنْهُ فَظَهَرَ فِيهِ رِيحٌ لَمْ يَتَوَضَّأْ بِهِ ; لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مَاءٌ مَخُوضٌ بِهِ وَإِنَّمَا يُقَالُ لَهُ مَاءُ مِسْكٍ مَخُوضَةٍ , وَذَرِيرَةٍ مَخُوضَةٍ وَهَكَذَا كُلُّ مَا أُلْقِيَ فِيهِ مِنْ الْمَأْكُولِ مِنْ سَوِيقٍ أَوْ دَقِيقٍ@

الصفحة 21