كتاب الأم للشافعي - ط الوفاء (اسم الجزء: 3)
لَهَا فَزَعَمَ أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ أَكْلُهَا لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ قِبَلِ أَنَّ ذَابِحَهَا عَاصٍ لاَ يَحِلُّ لَهُ أَكْلُهَا وَمَالِكُهَا غَيْرُ ذَابِحٍ لَهَا وَلاَ آمِرٌ بِذَبْحِهَا وَهَذَا قَوْلٌ لاَ يَسْتَقِيمُ يُخَالِفُ الْآثَارَ وَلاَ أَعْلَمُ فِي الْأَمْرِ بِالذَّبْحِ وَلاَ فِي النِّيَّةِ عَمَلاً غَيْرَ الذَّكَاةِ وَلَقَدْ دَخَلَ عَلَى قَائِلِ هَذَا الْقَوْلِ مِنْهُ مَا تَفَاحَشَ حَتَّى زَعَمَ أَنَّ رَجُلاً لَوْ غَصَبَ سَوْطًا مِنْ رَجُلٍ فَضَرَبَ بِهِ أَمَتَهُ حَدَّ الزِّنَا وَلَوْ كَانَ الْغَاصِبُ السُّلْطَانُ فَضَرَبَ بِهِ الْحَدَّ لَمْ يَكُنْ وَاحِدٌ مِنْ هَذَيْنِ مَحْدُودًا وَكَانَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُقَامَ عَلَيْهِمَا الْحَدُّ بِسَوْطٍ غَيْرِ مَغْصُوبٍ فَإِذَا كَانَ هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى غَيْرِ مَا قَالَ فَالنِّيَّةُ أَوْلَى أَنْ لاَ تَكُونَ فِي الذَّبَائِحِ وَالصَّيْدِ تَعْمَلُ شَيْئًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَمَا طَلَبَتْهُ الْكِلاَبُ أَوْ الْبُزَاةُ فَأَتْعَبَتْهُ فَمَاتَ وَلَمْ تَنَلْهُ فَلاَ يُؤْكَلُ لِأَنَّهُ مَيْتَةٌ وَإِنَّمَا تَكُونُ الذَّكَاةُ فِيمَا نَالَتْ لِأَنَّهَا بِمَا نَالَتْ تَقُومُ مَقَامَ الذَّكَاةِ وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً طَلَبَ شَاةً لِيَذْبَحَهَا فَأَتْعَبَهَا حَتَّى مَاتَتْ لَمْ يَأْكُلْهَا وَمَا أُصِيبَ مِنْ الصَّيْدِ بِأَيِّ سِلاَحٍ مَا كَانَ وَلَمْ يَمُرَّ فِيهِ فَلاَ يُؤْكَلُ حَتَّى يَبْلُغَ أَنْ يَمُرَّ فَيُدْمِيَ أَوْ يُجَاوِزَ الْإِدْمَاءَ فَيَخْرِقَ أَوْ يَهْتِكَ وَمَا نَالَتْهُ الْكِلاَبُ وَالصُّقُورُ وَالْجَوَارِحُ كُلُّهَا فَقَتَلَتْهُ وَلَمْ تُدْمِهِ احْتَمَلَ مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ لاَ يُؤْكَلَ حَتَّى يَخْرِقَ شَيْئًا لِأَنَّ الْجَارِحَ مَا خَرَقَ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى " الْجَوَارِحِ " وَالْمَعْنَى الثَّانِي أَنَّ فِعْلَهَا كُلَّهُ ذَكَاةٌ فَبِأَيِّ فِعْلِهَا قَتَلَتْ حَلَّ وَقَدْ يَكُونُ هَذَا جَائِزًا فَيَكُونُ فِعْلُهَا غَيْرَ فِعْلِ السِّلاَحِ لِأَنَّ فِعْلَ السِّلاَحِ فِعْلُ الْآدَمِيِّ وَأَدْنَى ذَكَاةِ الْآدَمِيِّ مَا خَرَقَ حَتَّى يُدْمِيَ وَفِعْلُهَا عَمْدُ الْقَتْلِ لاَ عَلَى أَنَّ فِي الْقَتْلِ فِعْلَيْنِ أَحَدُهُمَا ذَكَاةٌ وَالْآخَرُ غَيْرُ ذَكَاةٍ وَقَدْ تُسَمَّى جَوَارِحَ لِأَنَّهَا تَجْرَحُ فَيَكُونُ اسْمًا لاَزِمًا وَأُكِلَ مَا أَمْسَكْنَ مُطْلَقًا فَيَكُونُ مَا أَمْسَكْنَ حَلاَلاً بِالْإِطْلاَقِ وَيَكُونُ الْجُرْحُ إنْ جَرَحَهَا هُوَ اسْمٌ مَوْضُوعٌ عَلَيْهَا لاَ أَنَّهَا إنْ لَمْ تَجْرَحْ لَمْ يُؤْكَلْ مَا قَتَلَتْ وَإِذَا أَحْرَزَ الرَّجُلُ الصَّيْدَ فَرَبَطَهُ وَأَقَامَ عِنْدَهُ أَوْ لَمْ يُقِمْ فَانْفَلَتَ مِنْهُ فَصَادَهُ غَيْرُهُ مِنْ سَاعَتِهِ أَوْ بَعْدَ دَهْرٍ طَوِيلٍ فَسَوَاءٌ ذَلِكَ كُلُّهُ وَهُوَ لِصَاحِبِهِ الَّذِي أَحْرَزَهُ لِأَنَّهُ قَدْ مَلَكَهُ مِلْكًا صَحِيحًا كَمَا يَمْلِكُ شَاتَه أَلاَ تَرَى أَنَّ رَجُلاً لَوْ قَتَلَهُ فِي يَدَيْهِ يَضْمَنُ لَهُ قِيمَتَهُ كَمَا يَضْمَنُ لَهُ قِيمَةَ شَاتِهِ فَإِذَا كَانَ هَذَا هَكَذَا فَقَدْ مَلَكَهُ مِلْكَ الشَّاةِ أَلاَ تَرَى أَنَّ حِمَارَ الْإِنْسِيِّ@
الصفحة 618