كتاب الأم للشافعي - ط الوفاء (اسم الجزء: 3)

لَوْ اسْتَوْحَشَ فَأَخَذَهُ رَجُلٌ كَانَ لِلْمَالِكِ الْأَوَّلِ وَسُنَّةُ الْإِسْلاَمِ أَنَّ مَنْ مَلَكَ مِنْ الْآدَمِيِّينَ شَيْئًا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ مِلْكِهِ إلَّا بِأَنْ يُخْرِجَهُ هُوَ وَلَوْ كَانَ هَرَبَ الْوَحْشِيُّ مِنْ يَدَيْهِ يُخْرِجُهُ مِنْ مِلْكِهِ كَانَ هَرَبُ الْإِنْسِيِّ يُخْرِجُهُ مِنْ مِلْكِهِ وَيُسْأَلُ مَنْ خَالَفَ هَذَا الْقَوْلَ إذَا هَرَبَ خَرَجَ مِنْ مِلْكِهِ بِهَرَبِ نَفْسِهِ يَمْلِكُ نَفْسَهُ فَلاَ يَجُوزُ لِأَحَدٍ غَيْرِهِ أَنْ يَمْلِكَهُ فَإِنْ قَالَ لاَ وَكَيْفَ تَمْلِكُ الْبَهَائِمُ أَنْفُسَهَا ؟ قِيلَ وَهَكَذَا لاَ يَمْلِكُهَا غَيْرُ مَنْ مَلَكَهَا عَلَى مَنْ مَلَكَهَا إلَّا بِإِخْرَاجِهِ إيَّاهَا مِنْ يَدِهِ وَيُسْأَلُ مَا فَرْقُ بَيْنَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ يَدِهِ فَيَصِيرَ مُمْتَنِعًا فَإِنْ أَخَذَهُ غَيْرُهُ كَانَ لِلْأَوَّلِ إذَا تَقَارَبَ ذَلِكَ وَإِنْ تَبَاعَدَ كَانَ لِلْآخَرِ أَفَرَأَيْت إنْ قَالَ قَائِلٌ إذَا تَبَاعَدَ كَانَ لِلْأَوَّلِ وَإِذَا تَقَارَبَ كَانَ لِلْآخَرِ مَا الْحُجَّةُ عَلَيْهِ ؟ هَلْ هِيَ إلَّا أَنْ يُقَالَ لاَ يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلْأَوَّلِ بِكُلِّ حَالٍ وَإِذَا انْفَلَتَ كَانَ لِمَنْ أَخَذَهُ مِنْ سَاعَتِهِ ؟ وَهَكَذَا كُلُّ وَحْشِيٍّ فِي الْأَرْضِ مِنْ طَائِرٍ أَوْ غَيْرِهِ وَالْحُوتُ وَكُلُّ مُمْتَنِعٍ مِنْ الصَّيْدِ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَإِذَا ضَرَبَ الرَّجُلُ الصَّيْدَ أَوْ رَمَاهُ فَأَبَانَ يَدَهُ أَوْ رِجْلَهُ فَمَاتَ مِنْ تِلْكَ الضَّرْبَةِ فَسَوَاءٌ ذَلِكَ وَلَوْ أَبَانَ نِصْفَهُ فَيَأْكُلُ النِّصْفَيْنِ وَالْيَدَ وَالرِّجْلَ وَجَمِيعَ الْبَدَنِ لِأَنَّ تِلْكَ الضَّرْبَةَ إذَا وَقَعَتْ مَوْقِعَ الذَّكَاةِ كَانَتْ ذَكَاةً عَلَى مَا بَانَ وَبَقِيَ كَمَا لَوْ ضَرَبَهُ أَوْ ذَبَحَهُ فَأَبَانَ رَأْسَهُ كَانَتْ الذَّكَاةُ عَلَى الرَّأْسِ وَجَمِيعِ الْبَدَنِ وَلاَ تَعْدُو الضَّرْبَةُ أَوْ الرَّمْيَةُ أَنْ تَكُونَ ذَكَاةً وَالذَّكَاةُ لاَ تَكُونُ عَلَى بَعْضِ الْبَدَنِ دُونَ بَعْضٍ أَوْ لاَ تَكُونُ ذَكَاةً فَلاَ يُؤْكَلُ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَكِنَّهُ لَوْ أَبَانَ مِنْهُ عُضْوًا ثُمَّ أَدْرَكَ ذَكَاتَهُ فَذَكَّاهُ لَمْ يَأْكُلْ الْعُضْوَ الَّذِي أَبَانَ لِأَنَّ الضَّرْبَةَ الْأُولَى صَارَتْ غَيْرَ ذَكَاةٍ وَكَانَتْ الذَّكَاةُ فِي الذَّبْحِ وَلاَ يَقَعُ إلَّا عَلَى الْبَدَنِ وَمَا ثَبَتَ فِيهِ مِنْهُ وَلَمْ يُزَايِلْهُ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْمَيْتَةِ أَلاَ تَرَى أَنَّهُ لَوْ ضَرَبَ مِنْهُ عُضْوًا ثُمَّ أَدْرَكَ ذَكَاتَهُ فَتَرَكَهَا لَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ شَيْئًا لِأَنَّ الذَّكَاةَ قَدْ أَمْكَنَتْهُ فَصَارَتْ الضَّرْبَةُ الْأُولَى غَيْرَ الذَّكَاةِ ؟
بَابٌ فِيهِ مَسَائِلُ مِمَّا سَبَقَ
قَالَ الشَّافِعِيُّ : رحمه الله تعالى : وَكُلُّ مَا كَانَ مَأْكُولاً مِنْ طَائِرٍ أَوْ دَابَّةٍ فَأَنْ يُذْبَحَ أَحَبُّ إلَيَّ وَذَلِكَ سُنَّتُهُ وَدَلاَلَةُ الْكِتَابِ فِيهِ وَالْبَقَرُ دَاخِلَةٌ فِي ذَلِكَ لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : @

الصفحة 619