كتاب الأم للشافعي - ط الوفاء (اسم الجزء: 3)

فَكَانَ يَلْزَمُنَا لَوْ ذَهَبْنَا هَذَا الْمَذْهَبَ أَنْ نَأْكُلَهُ لِأَنَّهُ مِنْ طَعَامِهِمْ الْحَلاَلِ لَهُمْ عِنْدَهُمْ وَلَكِنْ لَيْسَ هَذَا مَعْنَى الآيَةِ مَعْنَاهَا مَا وَصَفْنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ ذِكْرُهُ عَلَى نَبِيِّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَمَا أَحَلَّ فِيهِ فَهُوَ حَلاَلٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كَانَ ذَلِكَ مُحَرَّمًا قَبْلَهُ أَوْ لَمْ يَكُنْ مُحَرَّمًا وَمَا حَرَّمَ فِيهِ فَهُوَ حَرَامٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كَانَ ذَلِكَ حَرَامًا قَبْلَهُ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَنُسِخَ بِهِ مَا خَالَفَهُ مِنْ كُلِّ دِينٍ أَدْرَكَهُ أَوْ كَانَ قَبْلَهُ وَافْتَرَضَ عَلَى الْخَلْقِ اتِّبَاعَهُ غَيْرَ أَنَّهُ أَذِنَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِأَنْ تُؤْخَذَ الْجِزْيَةُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَهُمْ صَاغِرُونَ غَيْرَ عَاذِرٍ لَهُمْ بِتَرْكِهِمْ الْإِيمَانَ وَلاَ مُحَرِّمٍ عَلَيْهِمْ شَيْئًا أَحَلَّهُ فِي كِتَابِهِ وَلاَ مُحِلٍّ لَهُمْ شَيْئًا حَرَّمَهُ فِي كِتَابِهِ وَسَوَاءٌ ذَبَائِحُ أَهْلِ الْكِتَابِ حَرْبِيِّينَ كَانُوا أَوْ مُسْتَأْمَنِينَ أَوْ ذِمَّةً .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَلاَ أَكْرَهُ ذَبِيحَةَ الْأَخْرَسِ الْمُسْلِمِ وَلاَ الْمَجْنُونِ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ وَأَكْرَهُ ذَبِيحَةَ السَّكْرَانِ وَالْمَجْنُونِ الْمَغْلُوبِ فِي حَالِ جُنُونِهِ وَلاَ أَقُولُ إنَّهَا حَرَامٌ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَلِمَ زَعَمْتَ أَنَّ الصَّلاَةَ لاَ تُجْزِي عَنْ هَذَيْنِ لَوْ صَلَّيَا وَأَنَّ ذَكَاتَهُمَا تُجْزِي ؟ قِيلَ لَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ لِاخْتِلاَفِ الصَّلاَةِ وَالذَّكَاةِ , الصَّلاَةُ أَعْمَالٌ لاَ تُجْزِي إلَّا مَنْ عَقَلَهَا وَلاَ تُجْزِي إلَّا بِطَهَارَةٍ وَفِي وَقْتٍ وَأَوَّلٍ وَآخِرٍ , وَهُمَا مِمَّا لاَ يَعْقِلُ ذَلِكَ وَالذَّكَاةُ إنَّمَا أُرِيدُ أَنْ يُؤْتَى عَلَيْهَا فَإِذَا أَتَيَا عَلَيْهَا لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ أَجْعَلَهُمَا فِيهَا أَسْوَأَ حَالاً مِنْ مُشْرِكٍ وَمُشْرِكَةٍ حَائِضٍ أَوْ صَغِيرَةٍ لاَ تَعْقِلُ أَوْ مَنْ لاَ تَجِبُ عَلَيْهِ الْحُدُودُ , وَكُلُّ هَؤُلاَءِ تُجْزِي ذَكَاتُهُ , فَقُلْت بِهَذَا الْمَعْنَى : إنَّهُ إنَّمَا أُرِيدَ الْإِتْيَانُ عَلَى الذَّكَاةِ .@

الصفحة 627