كتاب الأم للشافعي - ط الوفاء (اسم الجزء: 3)
مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - إلَّا قَامَتْ عَلَيْهِ حُجَّةُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِاتِّبَاعِ دِينِهِ , وَكَانَ مُؤْمِنًا بِاتِّبَاعِهِ وَكَافِرًا بِتَرْكِ اتِّبَاعِهِ , وَلَزِمَ كُلَّ امْرِئٍ مِنْهُمْ آمَنَ بِهِ أَوْ كَفَرَ , تَحْرِيمُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ مُبَاحًا قَبْلَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْمِلَلِ وَأَحَلَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ طَعَامَ أَهْلِ الْكِتَابِ . وَقَدْ وَصَفَ ذَبَائِحَهُمْ , وَلَمْ يَسْتَثْنِ مِنْهَا شَيْئًا , فَلاَ يَجُوزُ أَنْ تَحْرُمَ مِنْهَا ذَبِيحَةُ كِتَابِيٍّ وَفِي الذَّبِيحَةِ حَرَامٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ , مِمَّا كَانَ حَرُمَ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ قَبْلَ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَبْقَى مِنْ شَحْمِ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ . وَكَذَلِكَ لَوْ ذَبَحَهَا كِتَابِيٌّ لِنَفْسِهِ وَأَبَاحَهَا لِمُسْلِمٍ لَمْ يَحْرُمْ عَلَى مُسْلِمٍ مِنْ شَحْمِ بَقَرٍ وَلاَ غَنَمٍ مِنْهَا شَيْءٌ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ حَلاَلاً مِنْ جِهَةِ الذَّكَاةِ لِأَحَدٍ , حَرَامًا عَلَى غَيْرِهِ , لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَبَاحَ مَا ذَكَرَ عَامًّا لاَ خَاصًّا . فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : هَلْ يَحْرُمُ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ مَا حَرُمَ عَلَيْهِمْ قَبْلَ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ هَذِهِ الشُّحُومِ وَغَيْرِهَا إذَا لَمْ يَتَّبِعُوا مُحَمَّدًا - صلى الله عليه وسلم - ؟ فَقَدْ قِيلَ ذَلِكَ كُلُّهُ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِمْ حَتَّى يُؤْمِنُوا , وَلاَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُحَرَّمًا عَلَيْهِمْ . وَقَدْ نُسِخَ مَا خَالَفَ دِينَ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - بِدِينِهِ , كَمَا لاَ يَجُوزُ , إنْ كَانَتْ الْخَمْرُ حَلاَلاً لَهُمْ إلَّا أَنْ تَكُونَ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِمْ , إذْ حُرِّمَتْ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - وَإِنْ لَمْ يَدْخُلُوا فِي دِينِهِ .
مَا حَرَّمَ الْمُشْرِكُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : رحمه الله تعالى : حَرَّمَ الْمُشْرِكُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ أَشْيَاءَ أَبَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهَا لَيْسَتْ حَرَامًا بِتَحْرِيمِهِمْ . وَقَدْ ذَكَرْت بَعْضَ مَا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهَا , وَذَلِكَ مِثْلُ الْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ وَالْوَصِيلَةِ وَالْحَامِ . كَانُوا يَتْرُكُونَهَا فِي الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ كَالْعِتْقِ , فَيُحَرِّمُونَ أَلْبَانَهَا وَلُحُومَهَا وَمِلْكَهَا , وَقَدْ فَسَّرْته فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ , فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلاَ سَائِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ } وَقَالَ { قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلاَدَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمْ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا@
الصفحة 632