كتاب الأم للشافعي - ط الوفاء (اسم الجزء: 3)

تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} وَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ ? الآيَةَ. . وَقَالَ {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} إلَى قَوْلِهِ {هَنِيئًا مَرِيئًا} مَعَ آيٍ كَثِيرَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , حَظَرَ فِيهَا أَمْوَالَ النَّاسِ إلَّا بِطِيبِ أَنْفُسِهِمْ , إلَّا بِمَا فُرِضَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ سُنَّةِ نَبِيِّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَجَاءَتْ بِهِ حُجَّةٌ.
قال: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ , عَنْ نَافِعٍ , عَنْ ابْنِ عُمَرَ , عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ {لاَ يَحْلُبَن أَحَدُكُمْ مَاشِيَةَ أَخِيهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ , أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تُؤْتَى مَشْرَبَتُهُ فَتُكْسَرَ؟} فَأَبَانَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ أَنَّ مَا كَانَ مِلْكًا لِآدَمِيٍّ لَمْ يَحِلَّ بِحَالٍ إلَّا بِإِذْنِهِ. وَأَبَانَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَجَعَلَ الْحَلاَلَ حَلاَلاً بِوَجْهٍ , حَرَامًا بِوَجْهٍ آخَرَ , وَأَبَانَتْهُ السُّنَّةُ , فَإِذَا مَنَعَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَالَ الْمَرْأَةِ إلَّا بِطِيبِ نَفْسِهَا , وَاسْمُ الْمَالِ يَقَعُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ , فَفِي ذَلِكَ مَعْنَى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي اللَّبَنِ الَّذِي تَخِفُّ مُؤْنَتُهُ عَلَى مَالِكِهِ , وَيُسْتَخْلَفُ فِي الْيَوْمِ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ , فَحَرُمَ الْأَقَلُّ إلَّا بِإِذْنِ مَالِكِهِ كَانَ الْأَكْثَرُ مِثْلَ الْأَقَلِّ أَوْ أَعْظَمَ تَحْرِيمًا بِقَدْرِ عِظَمِهِ , عَلَى مَا هُوَ أَصْغَرُ مِنْهُ مِنْ مَالِ الْمُسْلِمِ. وَمِثْلُ هَذَا مَا فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ الْمَوَارِيثِ بَعْدَ مَوْتِ مَالِكِ الْمَالِ , فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ لِقَرِيبٍ أَنْ يَرِثَ الْمَالَ الَّذِي قَدْ صَارَ مَالِكُهُ غَيْرَ مَالِكٍ إلَّا بِمَا مَلَكَ , كَانَ لاََنْ يَأْخُذَ مَالَ حَيٍّ بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسِهِ , أَوْ مَيِّتٍ بِغَيْرِ مَا جَعَلَ اللَّهُ لَهُ , أَبْعَدَ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَالْأَمْوَالُ مُحَرَّمَةٌ بِمَالِكِهَا , مَمْنُوعَةٌ إلَّا بِمَا فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ , وَبَيَّنَهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَبِسُنَّةِ رَسُولِهِ , فَلَزِمَ خَلْقَهُ بِفَرْضِهِ , طَاعَةُ رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - فَإِنَّهُ يَجْمَعُ مَعْنَيَيْنِ مِمَّا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , طَاعَةٌ بِمَا أَوْجَبَ فِي أَمْوَالِ الْأَحْرَارِ الْمُسْلِمِينَ , طَابَتْ أَنْفُسُهُمْ بِذَلِكَ أَوْ لَمْ تَطِبْ , مِنْ الزَّكَاةِ وَمَا لَزِمَهُمْ بِإِحْدَاثِهِمْ وَإِحْدَاثِ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى مَنْ سَنَّ مِنْهُمْ أَخْذَهُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ , وَالْمَعْنَى الثَّانِي يُبَيِّنُ أَنَّ مَا أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَلاَزِمٌ بِفَرْضِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَذَلِكَ مِثْلُ الدِّيَةِ عَلَى قَاتِلِ الْخَطَأِ , فَيَكُونُ عَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ وَإِنْ لَمْ تَطِبْ بِهَا أَنْفُسُهُمْ , وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَوْضُوعٌ فِي مَوَاضِعِهِ@

الصفحة 638