كتاب الأم للشافعي - ط الوفاء (اسم الجزء: 3)

عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَيْرٍ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَلُحُومُ الضِّبَاعِ تُبَاعُ عِنْدَنَا بِمَكَّةَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ , لاَ أَحْفَظُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا خِلاَفًا فِي إحْلاَلِهَا وَفِي مَسْأَلَةِ ابْنِ أَبِي عَمَّارٍ جَابِرًا , أَصَيْدٌ هِيَ ؟ قَالَ : نَعَمْ وَسَأَلْته أَتُؤْكَلُ ؟ قَالَ : نَعَمْ , وَسَأَلْته : أَسَمِعْته مِنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ؟ قَالَ : نَعَمْ . فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الصَّيْدَ الَّذِي نَهَى اللَّهُ تَعَالَى الْمُحْرِمَ عَنْ قَتْلِهِ , مَا كَانَ يَحِلُّ أَكْلُهُ مِنْ الصَّيْدِ . وَأَنَّهُمْ إنَّمَا يَقْتُلُونَ الصَّيْدَ لِيَأْكُلُوهُ , لاَ عَبَثًا بِقَتْلِهِ , وَمِثْلُ ذَلِكَ الدَّلِيلِ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ رضي الله عنه , وَلِذَلِكَ أَشْبَاهٌ فِي الْقُرْآنِ , مِنْهَا قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : ? فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ } أَنَّهُ إنَّمَا يَعْنِي مِمَّا أَحَلَّ اللَّهُ أَكْلَهُ , لِأَنَّهُ لَوْ ذَبَحَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ , لَمْ يَحِلَّ الذَّبِيحَةُ ذِكْرُ اسْمِ اللَّهِ عَلَيْهِ . وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الضَّبُعِ دَلِيلٌ عَلَى مَا قُلْنَا , مِنْ أَنْ كَانَ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ . مَا عَدَا عَلَى النَّاسِ مُكَابَرَةً . وَإِذَا حَلَّ أَكْلُ الضَّبُعِ , وَهِيَ سَبُعٌ , لَكِنَّهَا لاَ تَعْدُو مُكَابَرَةً عَلَى النَّاسِ , وَهِيَ أَضَرُّ عَلَى مَوَاشِيهِمْ مِنْ جَمِيعِ السِّبَاعِ , فَأُحِلَّتْ أَنَّهَا لاَ تَعْدُو عَلَى النَّاسِ خَاصَّةً مُكَابَرَةً . وَفِيهِ دَلاَلَةٌ عَلَى إحْلاَلِ مَا كَانَتْ الْعَرَبُ تَأْكُلُ مِمَّا لَمْ يُنَصُّ فِيهِ خَبَرٌ وَتَحْرِيمُ مَا كَانَتْ تُحَرِّمُهُ مِمَّا يَعْدُو , مِنْ قِبَلِ أَنَّهَا لَمْ تَزَلْ إلَى الْيَوْمِ تَأْكُلُ الضَّبُعَ , وَلَمْ تَزَلْ تَدَعْ أَكْلَ الْأَسَدِ وَالنَّمِرِ وَالذِّئْبِ تَحْرِيمًا بِالتَّقَذُّرِ , فَوَافَقَتْ السُّنَّةُ فِيمَا أَحَلُّوا وَحَرَّمُوا مَعَ الْكِتَابِ , مَا وَصَفْت , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَفِيهِ دَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّ الْمُحْرِمَ إنَّمَا يُجْزِي مَا أُحِلَّ أَكْلُهُ مِنْ الصَّيْدِ دُونَ مَا لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ . وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَ بِقَتْلِ الْكَلْبِ الْعَقُورِ فِي الْإِحْرَامِ , وَهُوَ مَا عَدَا عَلَى النَّاسِ , وَهُوَ لاَ يَأْمُرُ بِقَتْلِ مَا لاَ يَحِلُّ قَتْلُهُ , وَيَضْمَنُ صَاحِبُهُ بِقَتْلِهِ شَيْئًا فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الصَّيْدَ الَّذِي حَرَّمَ اللَّهُ قَتْلَهُ فِي الْإِحْرَامِ , مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ , وَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ , وَعَلَى مَا وَصَفْت . @

الصفحة 645