كتاب الأم للشافعي - ط الوفاء (اسم الجزء: 3)
وَلاَ بَأْسَ بِأَكْلِ كُلِّ سَبُعٍ لاَ يَعْدُو عَلَى النَّاسِ مِنْ دَوَابِّ الْأَرْضِ , مِثْلُ الثَّعْلَبِ وَغَيْرِهِ قِيَاسًا عَلَى الضَّبُعِ . وَمَا سِوَى السَّبُعِ مِنْ دَوَابِّ الْأَرْضِ كُلِّهَا تُؤْكَلُ مِنْ مَعْنَيَيْنِ , مَا كَانَ سَبُعًا لاَ يَعْدُو . فَحَلاَلٌ أَنْ يُؤْكَلَ . وَمَا كَانَ غَيْرَ سَبُعٍ , فَمَا كَانَتْ الْعَرَبُ تَأْكُلُهُ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ فَلاَ بَأْسَ بِأَكْلِهِ , لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي مَعْنَى الآيَةِ . خَارِجٌ مِنْ الْخَبَائِثِ عِنْدَ الْعَرَبِ . وَمَا كَانَتْ تَدَعُهُ عَلَى مَعْنَى تَحْرِيمِهِ , فَإِنَّهُ خَبِيثُ اللَّحْمِ , فَلاَ يُؤْكَلُ بِحَالٍ . وَكُلُّ مَا أُمِرَ بِأَكْلِهِ فَدَاهُ الْمُحْرِمُ إذَا قَتَلَهُ . وَمِثْلُ الضَّبُعِ مَا خَلاَ كُلَّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ مِنْ دَوَابِّ الْأَرْضِ وَغَيْرِهَا , فَلاَ بَأْسَ أَنْ يُؤْكَلَ مِنْهُ مَا كَانَتْ الْعَرَبُ تَأْكُلُهُ , وَقَدْ فَسَّرْته قَبْلَ هَذَا .
مَا يَحِلُّ مِنْ الطَّائِرِ وَيَحْرُمُ
قَالَ الشَّافِعِيُّ : رحمه الله : وَالْأَصْلُ فِيمَا يَحِلُّ وَيَحْرُمُ مِنْ الطَّائِرِ وَجْهَانِ , أَحَدُهُمَا : أَنَّ مَا أَذِنَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لِلْمُحْرِمِ بِقَتْلِهِ , مِنْهُ مَا لاَ يُؤْكَلُ , لِأَنَّهُ خَارِجٌ مِنْ مَعْنَى الصَّيْدِ الَّذِي يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ قَتْلُهُ لِيَأْكُلَهُ . وَالْعِلْمُ يَكَادُ يُحِيطُ أَنَّهُ إنَّمَا حَرُمَ عَلَى الْمُحْرِمِ الصَّيْدُ الَّذِي كَانَ حَلاَلاً لَهُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ , فَإِذَا أَحَلَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَتْلَ بَعْضِ الصَّيْدِ , دَلَّ عَلَى أَنَّهُ مُحَرَّمٌ أَنْ يَأْكُلَهُ , لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ { لاَ يَحِلُّ قَتْلُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ } فَالْحِدَأَةُ وَالْغُرَابُ مِمَّا أَحَلَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَتْلَهُ لِلْمُحْرِمِ . فَمَا كَانَ فِي مِثْلِ مَعْنَاهُمَا مِنْ الطَّائِرِ , فَهُوَ دَاخِلٌ فِي أَنْ لاَ يَجُوزَ أَكْلُ لَحْمِهِ , كَمَا لاَ يَجُوزُ أَكْلُ لَحْمِهِمَا , لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُمَا , وَلِأَنَّهُمَا أَيْضًا مِمَّا لَمْ تَكُنْ تَأْكُلُ الْعَرَبُ , وَذَلِكَ مِثْلُ مَا ضَرَّ مِنْ ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ مِنْ سَبُعٍ وَطَائِرٍ , وَذَلِكَ مِثْلُ الْعُقَابِ وَالنَّسْرِ وَالْبَازِي وَالصَّقْرِ وَالشَّاهِينِ وَالْبَوَاشِقِ , وَمَا أَشْبَهَهَا , مَا دَامَ يَأْخُذُ حَمَامَ النَّاسِ وَغَيْرَهُ مِنْ طَائِرِهِمْ , فَكُلُّ مَا كَانَ فِي هَذَا الْمَعْنَى مِنْ الطَّائِرِ فَلاَ يَجُوزُ أَكْلُهُ لِلْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ وَصَفْت مِنْ أَنَّهُ فِي مَعْنَى الْحِدَأَةِ وَالْغُرَابِ , وَدَاخِلٌ فِي مَعْنَى مَا لاَ تَأْكُلُ الْعَرَبُ . وَكُلُّ مَا كَانَ لاَ يَبْلُغُ أَنْ يَتَنَاوَلَ لِلنَّاسِ شَيْئًا مِنْ أَمْوَالِهِمْ مِنْ الطَّائِرِ , فَلَمْ تَكُنْ الْعَرَبُ تُحَرِّمُهُ إقْذَارًا لَهُ , فَكُلُّهُ مُبَاحٌ أَنْ يُؤْكَلَ , فَعَلَى هَذَا , هَذَا الْبَابُ كُلُّهُ وَقِيَاسُهُ .@
الصفحة 646