كتاب الأم للشافعي - ط الوفاء (اسم الجزء: 3)
أَنْ يَخَافَ إنْ أَطْعَمَهُ أَوْ سَقَاهُ , أَنْ يَسُمَّهُ فِيهِ فَيَقْتُلَهُ , فَلَهُ تَرْكُ طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ بِهَذِهِ الْحَالِ . وَإِنْ كَانَ مَرِيضًا فَوَجَدَ مَعَ رَجُلٍ طَعَامًا أَوْ شَرَابًا , يَعْلَمُهُ يَضُرُّهُ وَيَزِيدُ فِي مَرَضِهِ , كَانَ لَهُ تَرْكُهُ , وَأَكْلُ الْمَيْتَةِ وَشُرْبُ الْمَاءِ الَّذِي فِيهِ الْمَيْتَةُ , وَقَدْ قِيلَ : إنَّ مِنْ الضَّرُورَةِ وَجْهًا ثَانِيًا , أَنْ يَمْرَضَ الرَّجُلُ الْمَرَضَ يَقُولُ لَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِهِ , أَوْ يَكُونُ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِهِ : قَلَّمَا يَبْرَأُ مَنْ كَانَ بِهِ مِثْلُ هَذَا إلَّا أَنْ يَأْكُلَ كَذَا , أَوْ يَشْرَبَ كَذَا , أَوْ يُقَالُ لَهُ : إنَّ أَعْجَلَ مَا يُبْرِئُك أَكْلُ كَذَا أَوْ شُرْبُ كَذَا , فَيَكُونُ لَهُ أَكْلُ ذَلِكَ وَشُرْبُهُ , مَا لَمْ يَكُنْ خَمْرًا إذَا بَلَغَ ذَلِكَ مِنْهَا أَسْكَرَتْهُ , أَوْ شَيْئًا يُذْهِبُ الْعَقْلَ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ أَوْ غَيْرِهَا فَإِنَّ إذْهَابَ الْعَقْلِ مُحَرَّمٌ . وَمَنْ قَالَ هَذَا , قَالَ : { أَمَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْأَعْرَابَ أَنْ يَشْرَبُوا أَلْبَانَ الْإِبِلِ وَأَبْوَالَهَا وَقَدْ يَذْهَبُ الْوَبَاءُ بِغَيْرِ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا } , إلَّا أَنَّهُ أَقْرَبُ مَا هُنَالِكَ أَنْ يُذْهِبَهُ عَنْ الْأَعْرَابِ لِإِصْلاَحِهِ لِأَبْدَانِهِمْ , وَالْأَبْوَالُ كُلُّهَا مُحَرَّمَةٌ , لِأَنَّهَا نَجِسَةٌ , وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْرَبَ خَمْرًا , لِأَنَّهَا تُعْطِشُ وَتُجِيعُ . وَلاَ لِدَوَاءٍ لِأَنَّهَا تُذْهِبُ بِالْعَقْلِ . وَذَهَابُ الْعَقْلِ مَنْعُ الْفَرَائِضِ , وَتُؤَدِّي إلَى إتْيَانِ الْمَحَارِمِ . وَكَذَلِكَ مَا أَذْهَبَ الْعَقْلَ غَيْرُهَا . وَمَنْ خَرَجَ مُسَافِرًا فَأَصَابَتْهُ ضَرُورَةٌ بِجُوعٍ أَوْ عَطَشٍ , وَلَمْ يَكُنْ سَفَرُهُ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , حَلَّ لَهُ مَا حَرُمَ عَلَيْهِ مِمَّا نَصِفُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى . وَمَنْ خَرَجَ عَاصِيًا لَمْ يَحِلَّ لَهُ شَيْءٌ مِمَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ بِحَالٍ , لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إنَّمَا أَحَلَّ مَا حَرَّمَ بِالضَّرُورَةِ , عَلَى شَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْمُضْطَرُّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ وَلاَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ . وَلَوْ خَرَجَ عَاصِيًا ثُمَّ تَابَ فَأَصَابَتْهُ الضَّرُورَةُ بَعْدَ التَّوْبَةِ رَجَوْت أَنْ يَسَعَهُ أَكْلُ الْمُحَرَّمِ وَشُرْبُهُ . وَلَوْ خَرَجَ غَيْرَ عَاصٍ , ثُمَّ نَوَى الْمَعْصِيَةَ , ثُمَّ أَصَابَتْهُ الضَّرُورَةُ وَنِيَّتُهُ الْمَعْصِيَةُ , خَشِيت أَنْ لاَ يَسَعَهُ الْمُحَرَّمُ , لِأَنِّي أَنْظُرُ إلَى نِيَّتِهِ فِي حَالِ الضَّرُورَةِ , لاَ فِي حَالِ تَقَدُّمَتِهَا وَلاَ تَأَخَّرَتْ عَنْهَا@
الصفحة 654