كتاب الأم للشافعي - ط الوفاء (اسم الجزء: 4)

أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ عَنْ يُونُسَ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ سَمِعْت عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ يَخْطُبُ وَهُوَ يَأْمُرُ بِقَتْلِ الْكِلاَبِ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : فَكَيْفَ يَأْمُرُ بِقَتْلِ مَا يَغْرَمُ مَنْ قَتَلَهُ قِيمَتَهُ ؟ قَالَ فَأَخَذْنَاهُ قِيَاسًا عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَنْهَ صَاحِبَ الزَّرْعِ وَلاَ الْمَاشِيَةِ عَنْ اتِّخَاذِهِ وَذَكَرَ لَهُ صَيْدَ الْكِلاَبِ فَقَالَ فِيهِ وَلَمْ يَنْهَ عَنْهُ فَلَمَّا رَخَّصَ فِي أَنْ يَكُونَ الْكَلْبُ مَمْلُوكًا كَالْحِمَارِ حَلَّ ثَمَنُهُ وَلَمَّا حَلَّ ثَمَنُهُ كَانَتْ قِيمَتُهُ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ.
قال : فَقُلْتُ لَهُ فَإِذَا أَبَاحَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - اتِّخَاذَهُ لِصَاحِبِ الزَّرْعِ وَالْمَاشِيَةِ وَلَمْ يَنْهَ عَنْ صَاحِبِ الصَّيْدِ وَحَرَّمَ ثَمَنَهُ فَأَيُّهُمَا أَوْلَى بِنَا وَبِك وَبِكُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَتَّبِعَهُ فِي الْقَوْلَيْنِ فَتُحَرِّمُ مَا حَرُمَ ثَمَنُهُ وَتَقْتُلُ الْكِلاَبَ عَلَى مَنْ لَمْ يُبَحْ لَهُ اتِّخَاذُهَا كَمَا أَمَرَ بِقَتْلِهَا وَتُبِيحُ اتِّخَاذَهَا لِمَنْ أَبَاحَهُ لَهُ وَلَمْ يَنْهَهُ عَنْهُ أَوْ تَزْعُمُ أَنَّ الْأَحَادِيثَ فِيهَا تَضَادٌّ ؟ قَالَ فَمَا تَقُولُ أَنْتَ ؟ قُلْت أَقُولُ الْحَقَّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إثْبَاتُ الْأَحَادِيثِ عَلَى مَا جَاءَتْ كَمَا جَاءَتْ إذَا احْتَلَمَتْ أَنْ تَثْبُتَ كُلُّهَا وَلَوْ جَازَ مَا قُلْت مِنْ طَرْحِ بَعْضِهَا لِبَعْضٍ جَازَ عَلَيْك مَا أَجَزْت لِنَفْسِك قَالَ فَيَقُولُ قَائِلٌ لاَ نَعْرِفُ الْأَحَادِيثَ قُلْت إذَا كَانَ يَأْثَمُ بِهَا مَنْ اتَّخَذَهَا لاَ أُحِلُّ لِأَحَدٍ اتِّخَاذَهَا وَأَقْتُلُهَا حَيْثُ وَجَدْتُهَا ثُمَّ لاَ يَكُونُ أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنْهُ قَالَ أَفَيَجُوزُ عِنْدَك أَنْ يَتَّخِذَهَا مُتَّخِذٌ وَلاَ ثَمَنَ لَهَا ؟ قُلْتُ بَلْ لاَ يَجُوزُ فِيهَا غَيْرُهُ لَوْ كَانَ أَصْلُ اتِّخَاذِهَا حَلاَلاً حَلَّتْ لِكُلِّ أَحَدٍ كَمَا يَحِلُّ لِكُلِّ أَحَدٍ اتِّخَاذُ الْحُمُرِ وَالْبِغَالِ , وَلَكِنَّ أَصْلَ اتِّخَاذِهَا مُحَرَّمٌ إلَّا بِمَوْضِعٍ كَالضَّرُورَةِ لِإِصْلاَحِ الْمَعَاشِ لِأَنِّي لَمْ أَجِدْ الْحَلاَلَ يُحْظَرُ عَلَى أَحَدٍ وَأَجِدُ مِنْ الْمُحَرَّمِ مَا يُبَاحُ لِبَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ.
قال : وَمِثْلُ مَاذَا ؟ قُلْت الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ مُبَاحَانِ لِذِي الضَّرُورَةِ فَإِذَا فَارَقَ الضَّرُورَةَ عَادَ أَنْ يَكُونَا مُحَرَّمَيْنِ عَلَيْهِ بِأَصْلِ تَحْرِيمِهِمَا وَالطَّهَارَةُ بِالتُّرَابِ مُبَاحَةٌ فِي السَّفَرِ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً فَإِذَا وَجَدَهُ حُرِّمَ عَلَيْهِ الطَّهَارَةُ بِالتُّرَابِ ; لِأَنَّ أَصْلَ الطَّهَارَةِ إنَّمَا هِيَ بِالْمَاءِ وَمُحَرَّمَةٌ بِمَا خَالَفَهُ إلَّا فِي الضَّرُورَةِ بِالْإِعْوَازِ وَالسَّفَرِ أَوْ الْمَرَضِ وَلِذَلِكَ إذَا فَارَقَ رَجُلٌ اقْتِنَاءَ@

الصفحة 28