كتاب الأم للشافعي - ط الوفاء (اسم الجزء: 4)
عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِثْلَهُ أَوْ مِثْلَ مَعْنَاهُ لاَ يُخَالِفُهُ
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَبِهَذَا نَأْخُذُ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ جَمِيعَ مَا كَانَ رَهْنًا غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَى الْمُرْتَهِنِ ; لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إذْ قَالَ : { الرَّهْنُ مِنْ صَاحِبِهِ الَّذِي رَهَنَهُ فَمَنْ كَانَ مِنْهُ شَيْءٌ فَضَمَانُهُ مِنْهُ لاَ مِنْ غَيْرِهِ } ثُمَّ زَادَ فَأَكَّدَ لَهُ فَقَالَ { لَهُ غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ } وَغُنْمُهُ سَلاَمَتُهُ وَزِيَادَتُهُ وَغُرْمُهُ عَطَبُهُ وَنَقْصُهُ فَلاَ يَجُوزُ فِيهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ ضَمَانَةً مِنْ مَالِكِهِ لاَ مِنْ مُرْتَهِنِهِ . أَلاَ تَرَى أَنَّ رَجُلاً لَوْ ارْتَهَنَ مِنْ رَجُلٍ خَاتَمًا بِدِرْهَمٍ يَسْوَى دِرْهَمًا فَهَلَكَ الْخَاتَمُ فَمَنْ قَالَ : يَذْهَبُ دِرْهَمُ الْمُرْتَهِنِ بِالْخَاتَمِ كَانَ قَدْ زَعَمَ أَنَّ غُرْمَهُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ ; لِأَنَّ دِرْهَمَهُ ذَهَبَ بِهِ , وَكَانَ الرَّاهِنُ بَرِيئًا مِنْ غُرْمِهِ ; لِأَنَّهُ قَدْ أَخَذَ ثَمَنَهُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ ثُمَّ لَمْ يَغْرَمْ لَهُ شَيْئًا وَأَحَالَ مَا جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقَوْلُهُ - وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - { لاَ يَغْلُقُ الرَّهْنُ } لاَ يَسْتَحِقُّهُ الْمُرْتَهِنُ بِأَنْ يَدَعَ الرَّاهِنُ قَضَاءَ حَقِّهِ عِنْدَ مَحِلِّهِ , وَلاَ يَسْتَحِقُّ مُرْتَهِنُهُ خِدْمَتَهُ , وَلاَ مَنْفَعَةً فِيهِ بِارْتِهَانِهِ إيَّاهُ , وَمَنْفَعَتُهُ لِرَاهِنِهِ ; لِأَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : { هُوَ مِنْ صَاحِبِهِ الَّذِي رَهَنَهُ } , وَمَنَافِعُهُ مِنْ غُنْمِهِ , وَإِذَا لَمْ يَخُصَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : { هُوَ مِنْ صَاحِبِهِ الَّذِي رَهَنَهُ } , وَمَنَافِعُهُ مِنْ غُنْمِهِ , وَإِذَا لَمْ يَخُصَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَهْنًا دُونَ رَهْنٍ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الرَّهْنِ مَضْمُونٌ , وَمِنْهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ ; لِأَنَّ الْأَشْيَاءَ لاَ تَعْدُو أَنْ تَكُونَ أَمَانَةً أَوْ فِي حُكْمِهَا فَمَا ظَهَرَ هَلاَكُهُ وَخَفِيَ مِنْ الْأَمَانَةِ سَوَاءٌ أَوْ مَضْمُونَةٌ فَمَا ظَهَرَ هَلاَكُهُ وَخَفِيَ مِنْ الْمَضْمُونِ سَوَاءٌ . وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الرَّهْنِ خَبَرٌ يُتْبَعُ مَا جَازَ فِي الْقِيَاسِ إلَّا أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَضْمُونٍ ; لِأَنَّ صَاحِبَهُ دَفَعَهُ غَيْرَ مَغْلُوبٍ عَلَيْهِ وَسَلَّطَ الْمُرْتَهِنَ عَلَى حَبْسِهِ , وَلَمْ يَكُنْ لَهُ إخْرَاجُهُ مِنْ يَدَيْهِ حَتَّى يُوَفِّيَهُ حَقَّهُ فِيهِ فَلاَ وَجْهَ لاََنْ يَضْمَنَ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ إنَّمَا يَضْمَنُ مَا تَعَدَّى الْحَابِسُ بِحَبْسِهِ مِنْ غَصْبٍ أَوْ بَيْعٍ عَلَيْهِ تَسْلِيمُهُ فَلاَ يُسَلِّمُهُ أَوْ عَارِيَّةٍ مَلَكَ الِانْتِفَاعَ بِهَا دُونَ مَالِكِهَا فَيَضْمَنُهَا كَمَا يَضْمَنُ السَّلَفَ وَالرَّهْنَ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْمَعَانِي . فَإِذَا رَهَنَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ شَيْئًا فَقَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ فَهَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدَيْ الْقَابِضِ فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ وَالْحَقُّ ثَابِتٌ كَمَا كَانَ قَبْلَ الرَّهْنِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ : لاَ يَضْمَنُ الْمُرْتَهِنُ , وَلاَ الْمَوْضُوعُ عَلَى يَدَيْهِ الرَّهْنُ مِنْ الرَّهْنِ شَيْئًا إلَّا فِيمَا يَضْمَنَانِ فِيهِ الْوَدِيعَةَ وَالْأَمَانَاتِ مِنْ التَّعَدِّي فَإِنْ تَعَدَّيَا فِيهِ فَهُمَا ضَامِنَانِ , وَمَا لَمْ يَتَعَدَّيَا فَالرَّهْنُ بِمَنْزِلَةِ الْأَمَانَةِ . فَإِذَا دَفَعَ الرَّاهِنُ إلَى الْمُرْتَهِنِ الرَّهْنَ ثُمَّ سَأَلَهُ الرَّاهِنُ أَنْ يَرُدَّهُ إلَيْهِ فَامْتَنَعَ الْمُرْتَهِنُ فَهَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدَيْهِ لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا ; لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ لَهُ . وَإِذَا قَضَى الرَّاهِنُ الْمُرْتَهِنَ الْحَقَّ أَوْ أَحَالَهُ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ وَرَضِيَ الْمُرْتَهِنُ @
الصفحة 347