كتاب الأم للشافعي - ط الوفاء (اسم الجزء: 4)
قَالَ الشَّافِعِيُّ : فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : أَلاَ تَرَى أَنَّ أَخْذَ الْمُرْتَهِنِ الرَّهْنَ كَالِاسْتِيفَاءِ لِحَقِّهِ قُلْتُ لَوْ كَانَ اسْتِيفَاءً لِحَقِّهِ , وَكَانَ الرَّهْنُ جَارِيَةً كَانَ قَدْ مَلَكَهَا وَحَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا , وَلَمْ يَكُنْ لَهُ رَدُّهَا عَلَى الرَّاهِنِ , وَلاَ عَلَيْهِ , وَلَوْ أَعْطَاهُ مَا فِيهِ إلَّا أَنْ يَتَرَاضَيَا بِأَنْ يَتَبَايَعَا فِيهَا بَيْعًا جَدِيدًا , وَلَمْ يَكُنْ مَعَ هَذَا لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَكُونَ حَقُّهُ إلَى سَنَةٍ فَيَأْخُذُهُ الْيَوْمَ بِلاَ رِضَا مِنْ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ قَالَ مَا هُوَ بِاسْتِيفَاءٍ . وَلَكِنْ كَيْفَ ؟ قُلْتَ إنَّهُ مُحْتَبَسٌ فِي يَدَيْ الْمُرْتَهِنِ بِحَقٍّ لَهُ , وَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهِ ؟ . فَقِيلَ لَهُ بِالْخَبَرِ , وَكَمَا يَكُونُ الْمَنْزِلُ مُحْتَبَسًا بِإِجَارَةٍ فِيهِ ثُمَّ يَتْلَفُ الْمَنْزِلُ بِهَدْمٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ وُجُوهِ التَّلَفِ فَلاَ ضَمَانَ عَلَى الْمُكْتَرِي فِيهِ , وَإِنْ كَانَ الْمُكْتَرِي سَلَّفَ الْكِرَاءَ رَجَعَ بِهِ عَلَى صَاحِبِ الْمَنْزِلِ , وَكَمَا يَكُونُ الْعَبْدُ مُؤَجَّرًا أَوْ الْبَعِيرُ مُكْرًى فَيَكُونُ مُحْتَبَسًا بِالشَّرْطِ , وَلاَ ضَمَانَ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا , وَلاَ فِي حُرٍّ لَوْ كَانَ مُؤَجَّرًا فَهَلَكَ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : إنَّمَا الرَّهْنُ وَثِيقَةٌ كَالْحَمَالَةِ فَلَوْ أَنَّ رَجُلاً كَانَتْ لَهُ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَكَفَلَ لَهُ بِهَا جَمَاعَةٌ عِنْدَ وُجُوبِهَا أَوْ بَعْدَهُ كَانَ الْحَقُّ عَلَى الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ , وَكَانَ الْحُمَلاَءُ ضَامِنِينَ لَهُ كُلُّهُمْ فَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ كَانَ لِلَّذِي لَهُ الْحَقُّ أَنْ يَأْخُذَ الْحُمَلاَءَ كَمَا شَرَطَ عَلَيْهِمْ , وَلاَ يَبْرَأُ ذَلِكَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ آخِرَ حَقِّهِ , وَلَوْ هَلَكَ الْحُمَلاَءُ أَوْ غَابُوا لَمْ يُنْقِصْ ذَلِكَ حَقَّهُ وَرَجَعَ بِهِ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ أَصْلُ الْحَقِّ . وَكَذَلِكَ الرَّهْنُ لاَ يُنْقِصُ هَلاَكُهُ , وَلاَ نُقْصَانُهُ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ وَأَنَّ السُّنَّةَ الْمُبَيِّنَةَ بِأَنْ لاَ يُضْمَنَ الرَّهْنُ , وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ سُنَّةٌ كَأَنَّا لَمْ نَعْلَمْ الْفُقَهَاءَ اخْتَلَفُوا فِيمَا وَصَفْنَا مِنْ أَنَّهُ مِلْكٌ لِلرَّاهِنِ وَأَنَّ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَحْبِسَهُ بِحَقِّهِ لاَ مُتَعَدِّيًا بِحَبْسِهِ دَلاَلَةً بَيِّنَةً أَنَّ الرَّهْنَ لَيْسَ بِمَضْمُونٍ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا قَوْلُنَا فِي الرَّهْنِ إذَا كَانَ مِمَّا يَظْهَرُ هَلاَكُهُ مِثْلُ الدَّارِ وَالنَّخْلِ وَالْعَبِيدِ وَخَالَفْنَا بَعْضَهُمْ فِيمَا يَخْفَى هَلاَكُهُ مِنْ الرَّهْنِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَاسْمُ الرَّهْنِ جَامِعٌ لِمَا يَظْهَرُ هَلاَكُهُ وَيَخْفَى , وَإِنَّمَا جَاءَ الْحَدِيثُ جُمْلَةً ظَاهِرًا وَمَا كَانَ جُمْلَةً ظَاهِرًا فَهُوَ عَلَى ظُهُورِهِ وَجُمْلَتِهِ إلَّا أَنْ تَأْتِيَ@
الصفحة 385