كتاب الأم للشافعي - ط الوفاء (اسم الجزء: 4)
دَلاَلَةٌ عَمَّنْ جَاءَ عَنْهُ أَوْ يَقُولَ الْعَامَّةُ عَلَى أَنَّهُ خَاصٌّ دُونَ عَامٍّ وَبَاطِنٌ دُونَ ظَاهِرٍ , وَلَمْ نَعْلَمْ دَلاَلَةً جَاءَتْ بِهَذَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَنَصِيرُ إلَيْهَا . وَلَوْ جَازَ هَذَا بِغَيْرِ دَلاَلَةٍ جَازَ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ الرَّهْنُ الَّذِي يَذْهَبُ بِهِ إذَا هَلَكَ هَلَكَ حَقُّ صَاحِبِهِ الْمُرْتَهِنِ الظَّاهِرُ الْهَلاَكِ ; لِأَنَّ مَا ظَهَرَ هَلاَكُهُ فَلَيْسَ فِي مَوْضِعِ أَمَانَةٍ فَهُوَ كَالرِّضَا مِنْهُمَا بِأَنَّهُ بِمَا فِيهِ أَوْ مَضْمُونٌ بِقِيمَتِهِ . وَأَمَّا مَا خَفِيَ هَلاَكُهُ فَرَضِيَ صَاحِبُهُ بِدَفْعِهِ إلَى الْمُرْتَهِنِ , وَقَدْ يَعْلَمُ أَنَّ هَلاَكَهُ خَافٍ فَقَدْ رَضِيَ فِيهِ أَمَانَتَهُ فَهُوَ أَمِينُهُ فَإِنْ هَلَكَ لَمْ يَهْلَكْ مِنْ مَالِ الْمُرْتَهِنِ شَيْءٌ فَلاَ يَصِحُّ فِي هَذَا قَوْلٌ أَبَدًا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ إذَا جَازَ أَنْ يَصِيرَ خَاصًّا بِلاَ دَلاَلَةٍ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَالْقَوْلُ الصَّحِيحُ فِيهِ عِنْدَنَا مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّهُ أَمَانَةٌ كُلُّهُ لِمَا وَصَفْنَا مِنْ دَفْعِ صَاحِبِهِ إيَّاهُ بِرِضَاهُ وَحَقٍّ أَوْجَبَهُ فِيهِ كَالْكَفَالَةِ , وَلاَ يَعْدُو الرَّهْنُ أَنْ يَكُونَ أَمَانَةً فَلاَ اخْتِلاَفَ بَيْنَ أَحَدٍ أَنَّ مَا ظَهَرَ وَخَفِيَ هَلاَكَهُ مِنْ الْأَمَانَةِ سَوَاءٌ غَيْرُ مَضْمُونٍ أَوْ أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا فَلاَ اخْتِلاَفَ بَيْنَ أَحَدٍ أَنَّ مَا كَانَ مَضْمُونًا فَمَا ظَهَرَ وَخَفِيَ هَلاَكُهُ مِنْ الْمَضْمُونِ سَوَاءٌ أَوْ يُفَرِّقُ بَيْنَ ذَلِكَ سُنَّةٌ أَوْ أَثَرٌ لاَزِمٌ لاَ مُعَارِضَ لَهُ مِثْلُهُ , وَلَيْسَ نَعْرِفُهُ مَعَ مَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ مِنْ أَصْحَابِنَا .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَقَدْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ مَعَهُمْ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ , وَلَيْسَ فِي أَحَدٍ مَعَ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حُجَّةٌ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَخَالَفْنَا بَعْضَ النَّاسِ فِي الرَّهْنِ فَقَالَ فِيهِ إذَا رَهَنَ الرَّجُلُ رَهْنًا بِحَقٍّ لَهُ فَالرَّهْنُ مَضْمُونٌ فَإِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ نَظَرْنَا فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ رَجَعَ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّاهِنِ بِالْفَضْلِ , وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ مِثْلَ الدَّيْنِ أَوْ أَكْثَرَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الرَّاهِنِ بِشَيْءٍ , وَلَمْ يَرْجِعْ الرَّاهِنُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : كَأَنَّهُ فِي قَوْلِهِمْ رَجُلٌ رَهَنَ رَجُلاً أَلْفَ دِرْهَمٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَإِنْ هَلَكَتْ الْأَلْفُ فَمِائَةٌ بِمِائَةٍ وَهُوَ فِي التِّسْعمِائَةِ أَمِينٌ أَوْ رَجُلٌ رَهَنَ رَجُلاً مِائَةً بِمِائَةٍ فَإِنْ هَلَكَتْ الْمِائَةُ فَالرَّهْنُ بِمَا فِيهِ ; لِأَنَّ مِائَةً ذَهَبَتْ بِمِائَةٍ أَوْ رَجُلٌ رَهَنَ رَجُلاً خَمْسِينَ دِرْهَمًا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَإِنْ هَلَكَتْ الْخَمْسُونَ ذَهَبَتْ بِخَمْسِينَ ثُمَّ رَجَعَ صَاحِبُ الْحَقِّ الْمُرْتَهِنِ عَلَى الرَّاهِنِ بِخَمْسِينَ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَكَذَلِكَ فِي قَوْلِهِمْ عَرَضٌ يَسْوَى مَا وَصَفْنَا بِمِثْلِ هَذَا .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : فَقِيلَ لِبَعْضِ مَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ هَذَا قَوْلٌ لاَ يَسْتَقِيمُ بِهَذَا@
الصفحة 386