كتاب الأم للشافعي - ط الوفاء (اسم الجزء: 4)
تَقُولُ فِيمَا لَيْسَ بِمُنْفَصِلٍ لاَ يَكُونُ مَقْبُوضًا فَيَبْطُلُ بِهِ الرَّهْنُ . وَتَقُولُ : الْقَبْضُ أَنْ يَكُونَ مُنْفَصِلاً قَالَ قَدْ يَكُونُ مُنْفَصِلاً وَغَيْرَ مُنْفَصِلٍ . قُلْت , وَكَيْفَ يَكُونُ مَقْبُوضًا وَهُوَ غَيْرُ مُنْفَصِلٍ ؟ قَالَ ; لِأَنَّ الْكُلَّ مَعْلُومٌ , وَإِذَا كَانَ الْكُلُّ مَعْلُومًا فَالْبَعْضُ بِالْحِسَابِ مَعْلُومٌ قُلْت فَقَدْ تَرَكْت قَوْلَك الْأَوَّلَ وَتَرَكْت قَوْلَك الثَّانِيَ فَلِمَ إذَا كَانَ هَذَا كَمَا وَصَفْت يَجُوزُ الْبَيْعُ فِيهِ وَالْبَيْعُ لاَ يَجُوزُ إلَّا مَعْلُومًا فَجَعَلْته مَعْلُومًا وَيَتِمُّ بِالْقَبْضِ ; لِأَنَّ الْبَيْعَ عِنْدَك لاَ يَتِمُّ حَتَّى يَقْضِيَ عَلَى صَاحِبِهِ بِدَفْعِ الثَّمَنِ إلَّا مَقْبُوضًا فَكَانَ هَذَا عِنْدَك قَبْضًا زَعَمْت أَنَّهُ فِي الرَّهْنِ غَيْرُ قَبْضٍ فَلاَ يَعْدُو أَنْ تَكُونَ أَخْطَأْت بِقَوْلِك لاَ يَكُونُ فِي الرَّهْنِ قَبْضًا أَوْ بِقَوْلِك يَكُونُ فِي الْبَيْعِ قَبْضًا .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : فَالْقَبْضُ اسْمٌ جَامِعٌ وَهُوَ يَقَعُ بِمَعَانٍ مُخْتَلِفَةٍ كَيْفَ مَا كَانَ الشَّيْءُ مَعْلُومًا أَوْ كَانَ الْكُلُّ مَعْلُومًا وَالشَّيْءُ مِنْ الْكُلِّ جُزْءٌ مَعْلُومٌ مِنْ أَجْزَاءٍ وَسُلِّمَ حَتَّى لاَ يَكُونَ دُونَهُ حَائِلٌ فَهُوَ قَبْضٌ فَقَبْضُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالثِّيَابِ فِي مَجْلِسِ الرَّجُلِ وَالْأَرْضِ أَنْ يُؤْتَى فِي مَكَانِهَا فَتُسَلَّمُ لاَ تَحْوِيهَا يَدٌ , وَلاَ يُحِيطُ بِهَا جِدَارٌ وَالْقَبْضُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الدُّورِ وَالْأَرْضِينَ إسْلاَفُهَا بِأَعْلاَفِهَا , وَالْعَبِيدُ تَسْلِيمُهُمْ بِحَضْرَةِ الْقَابِضِ , وَالْمَشَاعُ مِنْ كُلِّ أَرْضٍ وَغَيْرِهَا أَنْ لاَ يَكُونَ دُونَهُ حَائِلٌ فَهَذَا كُلُّهُ قَبْضٌ مُخْتَلِفٌ يَجْمَعُهُ اسْمُ الْقَبْضِ , وَإِنْ تَفَرَّقَ الْفِعْلُ فِيهِ غَيْرَ أَنَّهُ يَجْمَعُهُ أَنْ يَكُونَ مَجْمُوعَ الْعَيْنِ وَالْكُلُّ جُزْءٌ مِنْ الْكُلِّ مَعْرُوفٌ , وَلاَ حَائِلَ دُونَهُ فَإِذَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ مَقْبُوضٌ وَاَلَّذِي يَكُونُ فِي الْبَيْعِ قَبْضًا يَكُونُ فِي الرَّهْنِ قَبْضًا لاَ يَخْتَلِفُ ذَلِكَ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا عِنْدَنَا مُخَالِفًا فِيمَا قُلْت مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ فِيهِ الرَّهْنُ وَاَلَّذِي يَخْتَلِفُ لاَ يَحْتَجُّ فِيهِ بِمُتَقَدِّمٍ مِنْ أَثَرٍ فَيَلْزَمُ اتِّبَاعُهُ , وَلَيْسَ بِقِيَاسٍ , وَلاَ مَعْقُولٍ فَيَغِيبُونَ فِي الِاتِّبَاعِ الَّذِي يَلْزَمُهُمْ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ إذَا فَرَّقَتْ بَيْنَهُمَا الْآثَارُ حَتَّى يُفَارِقُوا الْآثَارَ فِي بَعْضِ ذَلِكَ ; لاََنْ يُجَزِّئُوا الْأَشْيَاءَ زَعَمُوا عَلَى مِثَالٍ ثُمَّ تَأْتِي أَشْيَاءُ لَيْسَ فِيهَا أَثَرٌ فَيُفَرِّقُونَ بَيْنَهَا وَهِيَ مُجْتَمِعَةٌ بِآرَائِهِمْ وَنَحْنُ وَهُمْ نَقُولُ فِي الْآثَارِ تُتَّبَعُ كَمَا جَاءَتْ وَفِيمَا قُلْت , وَقُلْنَا بِالرَّأْيِ لاَ نَقْبَلُ إلَّا قِيَاسًا صَحِيحًا عَلَى أَثَرٍ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَإِنْ تَبَايَعَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ عَلَى شَرْطِ الرَّهْنِ وَهُوَ أَنْ يُوضَعَ@
الصفحة 396