كتاب الأم للشافعي - ط الوفاء (اسم الجزء: 4)
وَإِذَا قَامَ الْغُرَمَاءُ عَلَى رَجُلٍ فَأَرَادُوا أَخْذَ جَمِيعِ مَالِهِ تُرِكَ لَهُ مِنْ مَالِهِ قَدْرُ مَا لاَ غَنَاءَ بِهِ عَنْهُ , وَأَقَلُّ مَا يَكْفِيهِ وَأَهْلَهُ يَوْمَهُ مِنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ , وَقَدْ قِيلَ إنْ كَانَ لِقَسْمِهِ حَبْسٌ أُنْفِقَ عَلَيْهِ وَعَلَى أَهْلِهِ كُلَّ يَوْمٍ أَقَلُّ مَا يَكْفِيهِمْ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ قَسْمِ مَالِهِ وَيَتْرُكُ لَهُمْ نَفَقَتَهُمْ يَوْمَ يَقْسِمُ آخِرَ مَالِهِ , وَأَقَلُّ مَا يَكْفِيهِ مِنْ كِسْوَتِهِ فِي شِتَاءٍ كَانَ ذَلِكَ أَوْ صَيْفٍ فَإِنْ كَانَ لَهُ مِنْ الْكِسْوَةِ مَا يَبْلُغُ ثَمَنًا كَثِيرًا بِيعَ عَلَيْهِ , وَتُرِكَ لَهُ مَا وَصَفْتُ لَك مِنْ أَقَلِّ مَا يَكْفِيهِ مِنْهَا . فَإِنْ كَانَتْ ثِيَابُهُ كُلُّهَا غَوَالِيَ مُجَاوِزَةَ الْقَدْرِ اُشْتُرِيَ لَهُ مِنْ ثَمَنِهَا أَقَلَّ مَا يَكْفِيهِ مِمَّا يَلْبَسُ أَقْصِدُ مَنْ هُوَ فِي مِثْلِ حَالِهِ وَمَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ فِي , وَقْتِهِ ذَلِكَ شِتَاءً كَانَ أَوْ صَيْفًا , وَإِنْ مَاتَ كُفِّنَ مِنْ مَالِهِ قَبْلَ الْغُرَمَاءِ وَحُفِرَ قَبْرُهُ بِأَقَلَّ مَا يَكْفِيهِ ثُمَّ اُقْتُسِمَ فَضْلُ مَالِهِ وَيُبَاعُ عَلَيْهِ مَسْكَنُهُ وَخَادِمُهُ ; لِأَنَّ لَهُ مِنْ الْخَادِمِ بُدًّا , وَقَدْ يَجِدُ الْمَسْكَنَ
. قَالَ : وَإِذَا جُنِيَتْ عَلَيْهِ جِنَايَةٌ قَبْلَ التَّفْلِيسِ فَلَمْ يَأْخُذْ أَرْشَهَا إلَّا بَعْدَ التَّفْلِيسِ فَالْغُرَمَاءُ أَحَقُّ بِهَا مِنْهُ إذَا قَبَضَهَا ; لِأَنَّهَا مَالٌ مِنْ مَالِهِ لاَ ثَمَنَ لِبَعْضِهِ .
وَلَوْ وُهِبَ لَهُ بَعْدَ التَّفْلِيسِ هِبَةٌ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَقْبَلَهَا فَلَوْ قَبِلَهَا كَانَتْ لِغُرَمَائِهِ دُونَهُ , وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا أَعْطَاهُ أَحَدٌ مِنْ الْآدَمِيِّينَ مُتَطَوِّعًا بِهِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَبُولُهُ , وَلاَ يَدْخُلُ مَالَهُ شَيْءٌ إلَّا بِقَبُولِهِ إلَّا الْمِيرَاثَ , فَإِنَّهُ لَوْ وَرِثَ كَانَ مَالِكًا , وَلَمْ يَكُنْ لَهُ دَفْعُ الْمِيرَاثِ , وَكَانَ لِغُرَمَائِهِ أَخْذُهُ مِنْ يَدِهِ .
وَلَوْ جُنِيَتْ عَلَيْهِ جِنَايَةٌ عَمْدًا فَكَانَ لَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ أَخْذِ الْأَرْشِ أَوْ الْقِصَاصِ كَانَ لَهُ أَنْ يَقْتَصَّ , وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَ الْمَالَ ; لِأَنَّهُ لاَ يَكُونُ مَالِكًا لِلْمَالِ إلَّا بِأَنْ يَشَاءَ , وَكَذَلِكَ لَوْ عَرَضَ عَلَيْهِ مَنْ جَنَى عَلَيْهِ الْمَالَ .
وَلَوْ اسْتَهْلَكَ لَهُ شَيْئًا قَبْلَ التَّفْلِيسِ ثُمَّ صَالَحَ مِنْهُ عَلَى شَيْءٍ بَعْدَ التَّفْلِيسِ فَإِنْ كَانَ مَا صَالَحَ قِيمَةَ مَا اسْتَهْلَكَ لَهُ بِشَيْءٍ مَعْرُوفِ الْقِيمَةِ فَأَرَادَ مُسْتَهْلِكُهُ أَنْ يَزِيدَهُ عَلَى قِيمَتِهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَقْبَلَ الزِّيَادَةَ ; لِأَنَّ الزِّيَادَةَ فِي مَوْضِعِ الْهِبَةِ .
فَإِنْ فَلِسَ الْغَرِيمُ , وَقَدْ شَهِدَ لَهُ شَاهِدٌ بِحَقٍّ عَلَى آخَرَ فَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ مَعَ شَاهِدِهِ أَبْطَلْنَا حَقَّهُ إذَا أَحَلَفْنَا الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ , وَلَمْ نَجْعَلْ لِلْغُرَمَاءِ أَنْ يَحْلِفُوا ; لِأَنَّهُ لاَ يَمْلِكُ إلَّا@
الصفحة 422