كتاب الأم للشافعي - ط الوفاء (اسم الجزء: 4)
وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ قَوْلِي وَأَسْأَلُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ التَّوْفِيقَ وَالْخِيَرَةَ بِرَحْمَتِهِ .
. بَابُ مَا جَاءَ فِي هِبَةِ الْمُفْلِسِ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : رحمه الله تعالى وَإِذَا وَهَبَ الرَّجُلُ هِبَةً لِرَجُلٍ عَلَى أَنْ يُثِيبَهُ فَقَبِلَ الْمَوْهُوبُ لَهُ , وَقَبَضَ ثُمَّ أَفْلَسَ بَعْدَ الْهِبَةِ قَبْلَ أَنْ يُثِيبَهُ فَمَنْ أَجَازَ الْهِبَةَ عَلَى الثَّوَابِ خَيَّرَ الْمَوْهُوبَ لَهُ بَيْنَ أَنْ يُثِيبَهُ أَوْ يَرُدَّ عَلَيْهِ هِبَتَهُ إنْ كَانَتْ قَائِمَةً بِعَيْنِهَا لَمْ تُنْتَقَصْ ثُمَّ جَعَلَ لِلْوَاهِبِ الْخِيَارَ فِي الثَّوَابِ فَإِنْ أَثَابَهُ قِيمَتَهَا أَوْ أَضْعَافَ قِيمَتِهَا فَلَمْ يَرْضَ جَعَلَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ وَتَكُونَ لِلْغُرَمَاءِ , وَإِنْ أَثَابَهُ أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهَا فَرَضِيَ أَجَازَ رِضَاهُ , وَإِنْ كَرِهَ ذَلِكَ الْغُرَمَاءُ . ( قَالَ الرَّبِيعُ ) : وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ إذَا وَهَبَ فَالْهِبَةُ بَاطِلَةٌ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ لَمْ يَرْضَ أَنْ يُعْطِيَهُ إلَّا بِالْعِوَضِ فَلَمَّا كَانَ الْعِوَضُ مَجْهُولاً كَانَتْ الْهِبَةُ بَاطِلَةً كَمَا لَوْ بَاعَهُ بِثَمَنٍ غَيْرِ مَعْلُومٍ كَانَ الْبَيْعُ بَاطِلاً فَهَذَا مَلَكَهُ بِعِوَضٍ , وَالْعِوَضُ مَجْهُولٌ فَكَانَ بِالْبَيْعِ أَشْبَهَ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْبَيْعَ بِعِوَضٍ وَهَذَا بِعِوَضٍ فَلَمَّا كَانَ مَجْهُولاً بَطَلَ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَلَوْ فَاتَتْ الْهِبَةُ فِي يَدَيْ الْمَوْهُوبَةِ لَهُ فَمَا أَثَابَهُ فَرَضِيَ بِهِ فَجَائِزٌ , وَإِنْ لَمْ يَرْضَ فَلَهُ قِيمَةُ هِبَتِهِ , وَلَوْ وَهَبَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ هِبَةً لِيُثِيبَهُ الْمَوْهُوبَةَ لَهُ ثُمَّ أَفْلَسَ الْوَاهِبُ وَالْهِبَةُ قَائِمَةٌ بِعَيْنِهَا فَمَنْ جَعَلَهُ عَلَى هِبَتِهِ أَوْ يُثَابُ مِنْهَا كَانَ الثَّوَابُ إلَى الْوَاهِبِ فَإِنْ رَضِيَ بِقَلِيلٍ , وَكَرِهَ ذَلِكَ غُرَمَاؤُهُ جَازَ عَلَيْهِمْ , وَكَذَلِكَ لَوْ رَضِيَ تَرْكَ الثَّوَابَ , وَقَالَ لَمْ أَهَبْهَا لِلثَّوَابِ , وَإِنْ لَمْ يَرْضَ بِقِيمَتِهَا كَانَ عَلَى هِبَتِهِ سَوَاءٌ نَقَصَتْ الْهِبَةُ أَوْ زَادَتْ . وَفِيهَا قَوْلٌ آخَرُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا , وَإِنْ فَاتَتْ بِمَوْتٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ عِتْقٍ فَلاَ شَيْءَ لِلْوَاهِبِ ; لِأَنَّهُ مَلَّكَهُ إيَّاهَا , وَلَمْ يَشْتَرِطْ عَلَيْهِ شَيْئًا , وَإِذَا كَانَ عَلَى هِبَتِهِ فَفَاتَتْ فَلاَ شَيْءَ لَهُ ; لِأَنَّ الَّذِي قَدْ كَانَ لَهُ قَدْ فَاتَ , وَلاَ يُضْمَنُ لَهُ شَيْءٌ بِعَيْنِهِ كَمَا يَكُونُ عَلَى شُفْعَتِهِ فَتَتْلَفُ الشُّفْعَةُ فَلاَ يَكُونُ لَهُ شَيْءٌ .@
الصفحة 439