كتاب الأم للشافعي - ط الوفاء (اسم الجزء: 4)

بُلُوغُ الرُّشْدِ وَهُوَ الْحَجْرُ
قَالَ الشَّافِعِيُّ : رحمه الله : الْحَالُ الَّتِي يَبْلُغُ فِيهَا الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ رُشْدَهُمَا حَتَّى يَكُونَا يَلِيَانِ أَمْوَالَهُمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ { وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَا إسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبُرُوا } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : فَدَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ الْحَجْرَ ثَابِتٌ عَلَى الْيَتَامَى حَتَّى يَجْمَعُوا خَصْلَتَيْنِ : الْبُلُوغَ وَالرُّشْدَ فَالْبُلُوغُ اسْتِكْمَالُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ إلَّا أَنْ يَحْتَلِمَ الرَّجُلُ أَوْ تَحِيضَ الْمَرْأَةُ قَبْلَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَيَكُونَ ذَلِكَ الْبُلُوغَ وَدَلَّ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ { فَادْفَعُوا إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ } عَلَى أَنَّهُمْ إذَا جَمَعُوا الْبُلُوغَ وَالرُّشْدَ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يَلِيَ عَلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَكَانُوا أَوْلَى بِوِلاَيَةِ أَمْوَالِهِمْ مِنْ غَيْرِهِمْ وَجَازَ لَهُمْ فِي أَمْوَالِهِمْ مَا يَجُوزُ لِمَنْ خَرَجَ مِنْ الْوِلاَيَةِ مِمَّنْ وُلِّيَ فَخَرَجَ مِنْهَا أَوْ لَمْ يُوَلَّ وَأَنَّ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى فِيهِمَا سَوَاءٌ . وَالرُّشْدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الصَّلاَحُ فِي الدِّينِ حَتَّى تَكُونَ الشَّهَادَةُ جَائِزَةً وَإِصْلاَحُ الْمَالِ وَإِنَّمَا يُعْرَفُ إصْلاَحُ الْمَالِ بِأَنْ يُخْتَبَرَ الْيَتِيمُ وَالِاخْتِبَارُ يَخْتَلِفُ بِقَدْرِ حَالِ الْمُخْتَبَرِ فَإِنْ كَانَ مِنْ الرِّجَالِ مِمَّنْ يَتَبَذَّلُ فَيَخْتَلِطُ النَّاسُ اسْتَدَلَّ بِمُخَالَطَتِهِ النَّاسَ فِي الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَبَعْدَهُ حَتَّى يُعْرَفَ أَنَّهُ يُحِبُّ تَوْفِيرَ مَالِهِ وَالزِّيَادَةَ فِيهِ وَأَنْ لاَ يُتْلِفَهُ فِيمَا لاَ يَعُودُ عَلَيْهِ نَفْعُهُ كَانَ اخْتِبَارُ هَذَا قَرِيبًا وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يُصَانُ عَنْ الْأَسْوَاقِ كَانَ اخْتِبَارُهُ أَبْعَدَ قَلِيلاً مِنْ اخْتِبَارِ الَّذِي قَبْلَهُ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَيَدْفَعُ إلَى الْمُوَلَّى عَلَيْهِ نَفَقَةَ شَهْرٍ فَإِنْ أَحْسَنَ إنْفَاقَهَا عَلَى نَفْسِهِ وَأَحْسَنَ شِرَاءَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْهَا مَعَ النَّفَقَةِ اُخْتُبِرَ بِشَيْءٍ يَسِيرٍ يُدْفَعُ إلَيْهِ فَإِذَا أُونِسَ مِنْهُ تَوْفِيرٌ لَهُ وَعَقْلٌ يَعْرِفُ بِهِ حُسْنَ النَّظَرِ لِنَفْسِهِ فِي إبْقَاءِ مَالِهِ دُفِعَ إلَيْهِ مَالُهُ . وَاخْتِبَارُ الْمَرْأَةِ مَعَ عِلْمِ صَلاَحِهَا بِقِلَّةِ مُخَالَطَتِهَا فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ أَبْعَدُ مِنْ هَذَا قَلِيلاً فَيَخْتَبِرُهَا النِّسَاءُ وَذَوُو الْمَحَارِمِ بِهَا بِمِثْلِ مَا وَصَفْنَا مِنْ دَفْعِ النَّفَقَةِ وَمَا يُشْتَرَى لَهَا مِنْ الْأُدْمِ@

الصفحة 451