كتاب الأم للشافعي - ط الوفاء (اسم الجزء: 4)

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنَّمَا خَاطَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِفَرَائِضِهِ الْبَالِغِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَجَعَلَ الْإِقْرَارَ لَهُ فَكَانَ مَوْجُودًا فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ أَنْ يُمِلَّ هُوَ , وَأَنَّ إمْلاَءَهُ إقْرَارُهُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْإِقْرَارِ عَلَى مَنْ أَقَرَّ بِهِ , وَلاَ يَأْمُرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَحَدًا أَنْ يُمِلَّ لِيُقِرَّ إلَّا الْبَالِغُ وَذَلِكَ أَنَّ إقْرَارَ غَيْرِ الْبَالِغِ وَصَمْتَهُ وَإِنْكَارَهُ سَوَاءٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِيمَا حَفِظْت عَنْهُمْ , وَلاَ أَعْلَمُهُمْ اخْتَلَفُوا فِيهِ. ثُمَّ قَالَ فِي الْمَرْءِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ أَنْ يُمِلَّ {فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ} , وَأَثْبَتَ الْوِلاَيَةَ عَلَى السَّفِيهِ وَالضَّعِيفِ وَاَلَّذِي لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ , وَأَمَرَ وَلِيَّهُ بِالْإِمْلاَءِ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ أَقَامَهُ فِيمَا لاَ غَنَاءَ بِهِ عَنْهُ مِنْ مَالِهِ مَقَامَهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: قَدْ قِيلَ وَاَلَّذِي لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمَغْلُوبَ عَلَى عَقْلِهِ وَهُوَ أَشْبَهُ مَعَانِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَالْآيَةُ الْأُخْرَى قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} فَأَمَرَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُدْفَعَ إلَيْهِمْ أَمْوَالُهُمْ إذَا جَمَعُوا بُلُوغًا وَرُشْدًا قَالَ وَإِذَا أَمَرَ بِدَفْعِ أَمْوَالِهِمْ إلَيْهِمْ إذَا جَمَعُوا أَمْرَيْنِ كَانَ فِي ذَلِكَ دَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّهُمْ إنْ كَانَ فِيهِمْ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ دُونَ الْآخَرِ لَمْ يُدْفَعْ إلَيْهِمْ أَمْوَالُهُمْ وَإِذَا لَمْ يُدْفَعْ إلَيْهِمْ فَذَلِكَ الْحَجْرُ عَلَيْهِمْ كَمَا كَانُوا لَوْ أُونِسَ مِنْهُمْ رُشْدٌ قَبْلَ الْبُلُوغِ لَمْ يُدْفَعْ إلَيْهِمْ أَمْوَالُهُمْ فَكَذَلِكَ لَوْ بَلَغُوا , وَلَمْ يُؤْنَسْ مِنْهُمْ رُشْدٌ لَمْ تُدْفَعْ إلَيْهِمْ أَمْوَالُهُمْ وَيَثْبُتُ عَلَيْهِمْ الْحَجْرُ كَمَا كَانَ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَهَكَذَا قُلْنَا نَحْنُ وَهُمْ فِي كُلِّ أَمْرٍ يَكْمُلُ بِأَمْرَيْنِ أَوْ أُمُورٍ فَإِذَا نَقَصَ وَاحِدٌ لَمْ يُقْبَلْ فَزَعَمْنَا أَنَّ شَرْطَ اللَّهِ تَعَالَى {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ} عَدْلاَنِ حُرَّانِ مُسْلِمَانِ فَلَوْ كَانَ الرَّجُلاَنِ حُرَّيْنِ مُسْلِمَيْنِ غَيْرَ عَدْلَيْنِ أَوْ عَدْلَيْنِ غَيْرَ حُرَّيْنِ أَوْ عَدْلَيْنِ حُرَّيْنِ غَيْرَ مُسْلِمَيْنِ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمَا حَتَّى يَسْتَكْمِلاَنِ الثَّلاَثَ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنَّ التَّنْزِيلَ فِي الْحَجْرِ بَيِّنٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مُكْتَفًى بِهِ عَنْ تَفْسِيرِهِ وَإِنَّ الْقِيَاسَ لَيَدُلُّ عَلَى الْحَجْرِ أَرَأَيْت إذَا كَانَ مَعْقُولاً أَنَّ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ مِمَّنْ قَارَبَ الْبُلُوغَ@

الصفحة 458