كتاب الأم للشافعي - ط الوفاء (اسم الجزء: 4)
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَلَوْ شَرِبَ رَجُلٌ خَمْرًا أَوْ نَبِيذًا مُسْكِرًا فَسَكِرَ لَزِمَهُ مَا أَقَرَّ بِهِ وَفَعَلَ مِمَّا لِلَّهِ وَلِلْآدَمِيِّينَ ; لِأَنَّهُ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ الْفَرَائِضُ ; وَلِأَنَّ عَلَيْهِ حَرَامًا وَحَلاَلاً وَهُوَ آثِمٌ بِمَا دَخَلَ فِيهِ مِنْ شُرْبِ الْمُحَرَّمِ , وَلاَ يَسْقُطُ عَنْهُ مَا صَنَعَ ; وَلِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ضَرَبَ فِي شُرْبِ الْخَمْرِ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَمَنْ أُكْرِهَ فَأُوجِرَ خَمْرًا فَأَذْهَبَ عَقْلَهُ ثُمَّ أَقَرَّ لَمْ يَلْزَمْهُ إقْرَارُهُ ; لِأَنَّهُ لاَ ذَنْبَ لَهُ فِيمَا صَنَعَ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَلَوْ أَقَرَّ فِي صِحَّتِهِ أَنَّهُ فَعَلَ شَيْئًا فِي حَالِ ضُرٍّ غَلَبَهُ عَلَى عَقْلِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ فِي ذَلِكَ حَدٌّ بِحَالٍ , لاَ لِلَّهِ , وَلاَ لِلْآدَمِيِّينَ كَأَنْ أَقَرَّ أَنَّهُ قَطَعَ رَجُلاً أَوْ قَتَلَهُ أَوْ سَرَقَهُ أَوْ قَذَفَهُ أَوْ زَنَى فَلاَ يَلْزَمُهُ قِصَاصٌ , وَلاَ قَطْعٌ , وَلاَ حَدٌّ فِي الزِّنَا وَلِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ أَوْ الْمَجْرُوحِ إنْ شَاءَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِهِ الْأَرْشَ وَكَذَلِكَ لِلْمَسْرُوقِ أَنْ يَأْخُذَ قِيمَةَ السَّرِقَةِ , وَلَيْسَ لِلْمَقْذُوفِ شَيْءٌ ; لِأَنَّهُ لاَ أَرْشَ لِلْقَذْفِ ثُمَّ هَكَذَا الْبَالِغُ إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ صَنَعَ مِنْ هَذَا فِي الصِّغَرِ لاَ يَخْتَلِفُ . أَلاَ تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ فِي حَالِ غَلَبَتِهِ عَلَى عَقْلِهِ وَصِغَرِهِ فَأَبْطَلْته عَنْهُ ثُمَّ قَامَتْ بِهِ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ أَخَذْت مِنْهُ مَا كَانَ فِي مَالِهِ دُونَ مَا كَانَ فِي بَدَنِهِ , فَإِقْرَارُهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ أَكْثَرُ مِنْ بَيِّنَةٍ لَوْ قَامَتْ عَلَيْهِ . وَلَوْ أَقَرَّ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ أَنَّهُ فَعَلَ مِنْ هَذَا شَيْئًا وَهُوَ مَمْلُوكٌ بَالِغٌ أَلْزَمْته حَدَّ الْمَمْلُوكِ فِيهِ كُلَّهُ , فَإِنْ كَانَ قَذْفًا حَدَدْته أَرْبَعِينَ أَوْ زِنًا حَدَدْته خَمْسِينَ وَنَفَيْته نِصْفَ سَنَةٍ إذَا لَمْ يُحِدَّ قَبْلَ إقْرَارِهِ , أَوْ قَطَعَ يَدَ حُرٍّ أَوْ رِجْلَهُ عَمْدًا اقْتَصَصْت مِنْهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْمُقْتَصُّ لَهُ أَخْذَ الْأَرْشِ , وَكَذَلِكَ لَوْ قَتَلَهُ . وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ بِأَنَّهُ فَعَلَهُ بِمَمْلُوكٍ يُقْتَصُّ مِنْهُ ; لِأَنَّهُ لَوْ جَنَى عَلَى مَمْلُوكٍ , وَهُوَ مَمْلُوكٌ فَأُعْتِقَ أَلْزَمْته الْقِصَاصَ إلَّا أَنَّهُ يُخَالِفُ الْحُرَّ فِي خَصْلَةِ مَا أَقَرَّ بِهِ مِنْ مَالٍ أَلْزَمْته إيَّاهُ نَفْسَهُ إذَا أُعْتِقَ ; لِأَنَّهُ بِإِقْرَارٍ كَمَا يُقِرُّ الرَّجُلُ بِجِنَايَةِ خَطَأٍ فَأَجْعَلُهَا فِي مَالِهِ @
الصفحة 495