كتاب الأم للشافعي - ط الوفاء (اسم الجزء: 4)
قَالَ فَإِذَا كَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ حَرَّمَ أَنْ تَكُونَ أَمْوَالُ النَّاسِ مَمْلُوكَةً إلَّا بِبَيْعٍ عَنْ تَرَاضٍ وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يَقُولُونَ فِيمَا وَصَفْت مَا وَصَفْت فَمِنْ أَيْنَ غَلِطَ أَحَدٌ فِي أَنْ يَجْنِيَ عَلَى مَمْلُوكِي فَيَمْلِكُهُ بِالْجِنَايَةِ وَآخُذُ أَنَا قِيمَتَهُ وَهُوَ قَبْلَ الْجِنَايَةِ لَوْ أَعْطَانِي فِيهِ أَضْعَافَ ثَمَنِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَمْلِكَهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ , وَلَوْ وَهَبْته لَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَمْلِكَهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ فَإِذَا لَمْ يَمْلِكْهُ بِاَلَّذِي يَجُوزُ وَيَحِلُّ مِنْ الْهِبَةِ إلَّا بِمَشِيئَتِهِ , وَلَمْ يَمْلِكْ عَلَيَّ بِاَلَّذِي يَحِلُّ مِنْ الْبَيْعِ إلَّا أَنْ أَشَاءَ فَكَيْفَ مَلَكَهُ حِينَ عَصَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ فَأُخْرِجُ مِنْ يَدَيْ مِلْكِي بِمَعْصِيَةِ غَيْرِي لِلَّهِ وَأُلْزِمُ غَيْرِي مَا لاَ يَرْضَى مِلْكَهُ إنْ كَانَ أَصَابَهُ خَطَأً وَكَيْفَ إنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ تُوجِبُ لِي شَيْئًا وَاخْتَرْتُ حَبْسَ عَبْدِي سَقَطَ الْوَاجِبُ لِي وَكَيْفَ إنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ تُخَالِفُ حُكْمَ مَا سِوَى مَا وَجَبَ لِي وَلِي حَبْسُ عَبْدِي , وَأَخْذُ أَرْشِهِ وَمَتَاعِي , وَأَخْذُ مَا نَقَصَهُ إذَا كَانَ ذَلِكَ غَيْرَ مُفْسِدٍ لَهُ فَإِنْ جَنَى عَلَيْهِ مَا يَكُونُ مُفْسِدًا لَهُ فَزَادَ الْجَانِي مَعْصِيَةً لِلَّهِ وَزِيدَ عَلَيَّ فِي مَالِي مَا يَكُونُ مُفْسِدًا لَهُ سَقَطَ حَقِّي حِينَ عَظُمَ وَثَبَتَ حِينَ صَغُرَ وَمَلَكَ حِينَ عَصَى وَكَبُرَتْ مَعْصِيَتُهُ , وَلاَ يَمْلِكُ حِينَ عَصَى فَصَغُرَتْ مَعْصِيَتُهُ مَا يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَدِلَّ أَحَدٌ عَلَى خِلاَفِ هَذَا الْقَوْلِ لِأَصْلِ حُكْمِ اللَّهِ . وَمَا لاَ يَخْتَلِفُ الْمُسْلِمُونَ فِيهِ مِنْ أَنَّ الْمَالِكِينَ عَلَى أَصْلِ مِلْكِهِمْ مَا كَانُوا أَحْيَاءَ حَتَّى يُخْرِجُوا هُمْ الْمِلْكَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ بِأَكْثَرَ مِنْ أَنْ يَحْكِيَ فَيَعْلَمَ أَنَّهُ خِلاَفُ مَا وَصَفْنَا مِنْ حُكْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَالْقِيَاسِ وَالْمَعْقُولِ ثُمَّ شِدَّةِ تَنَاقُضِهِ هُوَ فِي نَفْسِهِ . قَالَ : وَإِذَا غَصَبَ الرَّجُلُ جَارِيَةً تَسْوَى مِائَةً فَزَادَتْ فِي يَدَيْهِ بِتَعْلِيمٍ مِنْهُ وَسِنٍّ وَاغْتِذَاءٍ مِنْ مَالِهِ حَتَّى صَارَتْ تُسَاوِي أَلْفًا ثُمَّ نَقَصَتْ حَتَّى صَارَتْ تُسَاوِي مِائَةً ثُمَّ أَدْرَكَهَا الْمَغْصُوبُ فِي يَدِهِ أَخَذَهَا وَتِسْعَمِائَةٍ مَعَهَا كَمَا يَكُونُ لَوْ غَصَبَهُ إيَّاهَا وَهِيَ تُسَاوِي أَلْفًا فَأَدْرَكَهَا وَهِيَ تُسَاوِي مِائَةً أَخَذَهَا وَمَا نَقَصَهَا وَهِيَ تِسْعُمِائَةٍ . قَالَ : وَكَذَلِكَ إنْ بَاعَهَا الْغَاصِبُ أَوْ وَهَبَهَا أَوْ قَتَلَهَا أَوْ اسْتَهْلَكَهَا فَلَمْ تُدْرَكْ بِعَيْنِهَا كَانَتْ عَلَى الْغَاصِبِ قِيمَتُهَا فِي أَكْثَرِ مَا كَانَتْ قِيمَةً مُنْذُ غُصِبَتْ إلَى أَنْ هَلَكَتْ وَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي الْبَيْعِ إلَّا أَنَّ رَبَّ الْجَارِيَةِ يُخَيَّرُ فِي الْبَيْعِ فَإِنْ أَحَبَّ أَخْذَ الثَّمَنِ الَّذِي بَاعَ بِهِ الْغَاصِبُ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا أَوْ أَقَلَّ ; لِأَنَّهُ ثَمَنُ سِلْعَتِهِ أَوْ قِيمَتُهَا فِي أَكْثَرِ مَا كَانَتْ قِيمَةً قَطُّ .@
الصفحة 518