كتاب الأم للشافعي - ط الوفاء (اسم الجزء: 4)
يَجُوزُ الْبَيْعُ وَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ إمْضَاءَهُ فَيُلْزِمُ الْمُشْتَرِيَ بِأَنَّ لَهُ الْخِيَارَ دُونَ الْبَائِعِ ؟ قِيلَ بَلَى فَإِنْ قَالَ فَمَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا ؟ . قِيلَ : هَذِهِ بَاعَهَا مَالِكُهَا بَيْعًا حَلاَلاً وَكَانَ لَهُ الْخِيَارُ عَلَى شَرْطِهِ وَكَانَ الْمُشْتَرِي غَيْرَ عَاصٍ لِلَّهِ , وَلاَ الْبَائِعُ وَالْغَاصِبُ وَالْمُشْتَرِي وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهَا مَغْصُوبَةٌ عَاصِيَانِ لِلَّهِ , وَهَذَا بَائِعٌ مَا لَيْسَ لَهُ وَهَذَا مُشْتَرٍ مَا لاَ يَحِلُّ لَهُ فَلاَ يُقَاسَ الْحَرَامُ عَلَى الْحَلاَلِ ; لِأَنَّهُ ضِدُّهُ أَلاَ تَرَى أَنَّ الرَّجُلَ الْمُشْتَرِيَ مِنْ رَبِّ الْجَارِيَةِ جَارِيَتَهُ لَوْ شَرَطَ الْمُشْتَرِي الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ كَانَ لَهُ الْخِيَارُ كَمَا يَكُونُ لِلْبَائِعِ إذَا شَرَطَهُ ؟ أَفَيَكُونُ لِمُشْتَرِي الْجَارِيَةِ الْمَغْصُوبَةِ الْخِيَارُ فِي أَخْذِهَا أَوْ رَدِّهَا ؟ فَإِنْ قَالَ لاَ قِيلَ : وَلَوْ شَرَطَ الْغَاصِبُ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ ؟ فَإِنْ قَالَ لاَ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الَّذِي شُرِطَ لَهُ الْخِيَارُ لاَ يَمْلِكُ الْجَارِيَةَ قِيلَ : وَلَكِنَّ الَّذِي يَمْلِكُهَا لَوْ شَرَطَ لَهُ الْخِيَارَ جَازَ فَإِنْ قَالَ : نَعَمْ قِيلَ لَهُ أَفَلاَ تَرَى أَنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ فِي كُلِّ شَيْءٍ فَكَيْفَ يُقَاسُ أَحَدُ الْمُخْتَلِفَيْنِ فِي كُلِّ شَيْءٍ عَلَى الْآخَرِ .
قَالَ : وَإِذَا غَصَبَ الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ الْجَارِيَةَ فَأَقَرَّ الْغَاصِبُ بِأَنَّهُ غَصَبَهُ جَارِيَةً وَقَالَ : ثَمَنُهَا عَشَرَةٌ . وَقَالَ الْمَغْصُوبُ : ثَمَنُهَا مِائَةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْغَاصِبِ مَعَ يَمِينِهِ , وَلاَ تَقُومُ عَلَى الصِّفَةِ مِنْ قِبَلِ أَنَّ التَّقْوِيمَ عَلَى الصِّفَةِ لاَ يُضْبَطُ قَدْ تَكُونُ الْجَارِيَتَانِ بِصِفَةٍ , وَلَوْنٍ وَسِنٍّ وَبَيْنَهُمَا كَثِيرٌ فِي الْقِيمَةِ بِشَيْءٍ يَكُونُ فِي الرُّوحِ وَالْعَقْلِ وَاللِّسَانِ فَلاَ يُضْبَطُ إلَّا بِالْمُعَايَنَةِ فَيُقَالُ لِرَبِّ الْجَارِيَةِ : إنْ رَضِيتَ وَإِلَّا فَإِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً أُخِذَ لَهُ بِبَيِّنَتِهِ وَإِنْ لَمْ يُقِمْهَا أُحَلِّفُ لَهُ الْغَاصِبَ وَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ , وَلَوْ أَقَامَ عَلَيْهِ شَاهِدَيْنِ بِأَنَّهُ غَصَبَهُ جَارِيَةً فَهَلَكَتْ الْجَارِيَةُ فِي يَدَيْهِ , وَلَمْ يُثْبِتْ الشَّاهِدَانِ عَلَى قِيمَتِهَا كَانَ الْقَوْلُ فِي قِيمَتِهَا قَوْلَ الْغَاصِبِ مَعَ يَمِينِهِ , وَلَوْ وَصَفَهَا الشَّاهِدَانِ بِصِفَةٍ أَنَّهَا كَانَتْ صَحِيحَةً عُلِمَ أَنَّ قِيمَتَهَا أَكْثَرُ مِمَّا قَالَ الْغَاصِبُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْغَاصِبِ ; لِأَنَّهُ قَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ثَمَّ دَاءٌ أَوْ غَائِلَةٌ تَخْفَى يَصِيرُ بِهَا ثَمَنُهَا إلَى مَا قَالَ الْغَاصِبُ فَإِذَا أَمْكَنَ مَا قَالَ الْغَاصِبُ بِحَالٍ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ , وَهَكَذَا قَوْلُ مَنْ يَغْرَمُ شَيْئًا مِنْ الدُّنْيَا بِأَيِّ وَجْهٍ مَا دَخَلَ عَلَيْهِ الْغُرْمُ إذَا أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ , وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهُ خِلاَفُ مَا أَقَرَّ بِهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ . أَلاَ تَرَى أَنَّا نَجْعَلُ فِي الْأَكْثَرِ مِنْ الدَّعْوَى عَلَيْهِ الْقَوْلَ قَوْلَهُ ؟ فَلَوْ قَالَ رَجُلٌ غَصَبَنِي أَوْ لِي عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ@
الصفحة 532