كتاب الأم للشافعي - ط الوفاء (اسم الجزء: 4)

تَعَالَى وَمُبَيَّنَةُ الْعَدَدِ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَفِي الْآثَارِ فَإِنَّمَا يُسْتَدْرَكُ عَدَدُهَا خَبَرًا أَلاَ تَرَى أَنَّ الْعَاقِلَةَ تَعْقِلُ دِيَةَ الْحُرِّ وَالْحُرَّةِ وَهُمَا يَخْتَلِفَانِ وَدِيَةُ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ وَالْمَجُوسِيِّ , وَهُمْ عِنْدَنَا مُخَالِفُونَ الْمُسْلِمَ ؟ فَكَذَلِكَ تَعْقِلُ دِيَةَ الْعَبْدِ وَهِيَ قِيمَتُهُ . فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْبَهِيمَةِ فِي شَيْءٍ غَيْرِ هَذَا ؟ قِيلَ نَعَمْ بَيْنَ الْعَبِيدِ عِنْدَ الْعَامَّةِ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ , وَعِنْدَنَا فِي النَّفْسِ وَفِيمَا دُونَهَا , وَلَيْسَ ذَلِكَ بَيْنَ بَعِيرَيْنِ لَوْ قَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ , وَعَلَى الْعَبِيدِ فَرَائِضُ اللَّهِ مِنْ تَحْرِيمِ الْحَرَامِ وَتَحْلِيلِ الْحَلاَلِ وَفِيهِمْ حُرْمَةُ الْإِسْلاَمِ , وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي الْبَهَائِمِ . فَإِنْ كَانَ الْجَانِي عَبْدًا عَلَى حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ لَمْ تَعْقِلْ عَنْهُ عَاقِلَتُهُ , وَلاَ سَيِّدُهُ وَكَانَتْ الْجِنَايَةُ فِي عُنُقِهِ دُونَ ذِمَّةِ سَيِّدِهِ يُبَاعُ فِيهَا فَيُدْفَعُ إلَى وَلِيِّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ دِيَتُهُ فَإِنْ فَضَلَ مِنْ ثَمَنِهِ شَيْءٌ رُدَّ عَلَى صَاحِبِهِ فَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ مِنْ ثَمَنِهِ شَيْءٌ أَوْ لَمْ يَبْلُغْ الدِّيَةَ بَطَلَ مَا بَقِيَ مِنْهُ ; لِأَنَّ الْجِنَايَةَ إنَّمَا كَانَتْ فِي عُنُقِهِ دُونَ غَيْرِهِ , وَتَرْكُ أَنْ يَضْمَنَ سَيِّدُهُ عَنْهُ وَالْعَاقِلَةُ فِي الْحُرِّ وَالْعَبْدِ مَا لاَ أَعْلَمُ فِيهِ خِلاَفًا . وَفِيهِ دَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّ الْعَقْلَ إنَّمَا حِكْمَةٌ بِالْجَانِي لاَ بِالْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَلاَ تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ بِالْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ ضَمِنَتْ عَاقِلَتُهُ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ ثَمَنَ الْعَبْدِ إذَا قَتَلَ الْحُرَّ فَلَمَّا كَانَتْ لاَ تَضْمَنُ ذَلِكَ عَنْهُ وَكَانَتْ جِنَايَتُهُ عَلَى الْحُرِّ وَالْعَبْدِ سَوَاءً فِي عُنُقِهِ كَانَتْ كَذَلِكَ جِنَايَةُ الْحُرِّ عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ سَوَاءً عَلَى عَاقِلَتِهِ , وَكَانَ الْحُرُّ يَعْقِلُ عَنْهَا كَمَا تَعْقِلُ عَنْهُ .
قَالَ : وَإِذَا اسْتَعَارَ الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ الدَّابَّةَ إلَى مَوْضِعٍ فَتَعَدَّى بِهَا إلَى غَيْرِهِ فَعَطِبَتْ فِي التَّعَدِّي أَوْ بَعْدَ مَا رَدَّهَا إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي اسْتَعَارَهَا مِنْهُ قَبْلَ أَنْ تَصِلَ إلَى مَالِكِهَا فَهُوَ لَهَا ضَامِنٌ لاَ يَخْرُجُ مِنْ الضَّمَانِ إلَّا بِأَنْ يُوصِلَهَا إلَى مَالِكِهَا سَالِمَةً وَعَلَيْهِ الْكِرَاءُ مِنْ حَيْثُ تَعَدَّى بِهَا مَعَ الضَّمَانِ . قَالَ : وَإِذَا تَكَارَى الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ الدَّابَّةَ مِنْ مِصْرَ إلَى أَيْلَةَ فَتَعَدَّى بِهَا إلَى مَكَّةَ فَمَاتَتْ بِمَكَّةَ وَقَدْ كَانَ قَبَضَهَا مِنْ رَبِّهَا ثَمَنَ عَشَرَةٍ فَنَقَصَتْ فِي الرُّكُوبِ حَتَّى صَارَتْ بأيلة ثَمَنَ خَمْسَةٍ ثُمَّ سَارَ بِهَا عَنْ أَيْلَةَ فَإِنَّمَا يَضْمَنُ قِيمَتَهَا مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي تَعَدَّى بِهَا مِنْهُ فَيَأْخُذُ كِرَاءَهَا إلَى أَيْلَةَ الَّذِي أَكْرَاهَا بِهِ وَيَأْخُذُ قِيمَتَهَا مِنْ أَيْلَةَ خَمْسَةً وَيَأْخُذُ فِيمَا رَكِبَ مِنْهَا بَعْدَ ذَلِكَ فِيمَا بَيْنَ أَيْلَةَ إلَى مَكَّةَ كِرَاءَ مِثْلِهَا لاَ عَلَى حِسَابِ الْكِرَاءِ الْأَوَّلِ .@

الصفحة 540