كتاب الأم للشافعي - ط الوفاء (اسم الجزء: 4)

قَالَ : وَإِذَا وَهَبَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ طَعَامًا فَأَكَلَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ أَوْ ثَوْبًا فَلَبِسَهُ حَتَّى أَبْلاَهُ وَذَهَبَ ; ثُمَّ اسْتَحَقَّهُ رَجُلٌ عَلَى الْوَاهِبِ فَالْمُسْتَحِقُّ بِالْخِيَارِ فِي أَنْ يَأْخُذَ الْوَاهِبَ ; لِأَنَّهُ سَبَبُ إتْلاَفِ مَالِهِ فَإِنْ أَخَذَهُ بِمِثْلِ طَعَامِهِ أَوْ قِيمَةِ ثَوْبِهِ فَلاَ شَيْءَ لِلْوَاهِبِ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ إذَا كَانَتْ هِبَتُهُ إيَّاهُ لِغَيْرِ ثَوَابٍ وَيَأْخُذُ الْمَوْهُوبَ لَهُ بِمِثْلِ طَعَامِهِ وَقِيمَةِ ثَوْبِهِ ; لِأَنَّهُ هُوَ الْمُسْتَهْلِكُ لَهُ , فَإِنْ أَخَذَهُ بِهِ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي أَنْ يَرْجِعَ الْمَوْهُوبُ لَهُ عَلَى الْوَاهِبِ , وَقِيلَ لاَ يَرْجِعُ عَلَى الْوَاهِبِ ; لِأَنَّ الْوَاهِبَ لَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ عِوَضًا فَيَرْجِعُ بِعِوَضِهِ وَإِنَّمَا هُوَ رَجُلٌ غَرَّهُ مِنْ أَمْرٍ قَدْ كَانَ لَهُ أَنْ لاَ يَقْبَلَهُ . قَالَ : وَإِذَا اسْتَعَارَ الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ ثَوْبًا شَهْرًا أَوْ شَهْرَيْنِ فَلَبِسَهُ فَأَخْلَقَهُ ثُمَّ اسْتَحَقَّهُ رَجُلٌ آخَرُ أَخَذَهُ وَقِيمَةَ مَا نَقَصَهُ اللُّبْسُ مِنْ يَوْمِ أَخَذَهُ مِنْهُ , وَهُوَ بِالْخِيَارِ فِي أَنْ يَأْخُذَ ذَلِكَ مِنْ الْمُسْتَعِيرِ اللَّابِسِ أَوْ مِنْ الْآخِذِ لِثَوْبِهِ . فَإِنْ أَخَذَهُ مِنْ الْمُسْتَعِيرِ اللَّابِسِ , وَكَانَ النَّقْصُ كُلُّهُ فِي يَدِهِ لَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَى مَنْ أَعَارَهُ مِنْ قِبَلِ أَنَّ النَّقْصَ كَانَ مِنْ فِعْلِهِ , وَلَمْ يَغُرَّ مِنْ مَالِهِ بِشَيْءٍ فَيَرْجِعُ بِهِ , وَإِنْ ضَمِنَهُ الْمُعِيرُ غَيْرُ اللَّابِسِ فَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْعَارِيَّةَ مَضْمُونَةٌ , قَالَ : لِلْمُعِيرِ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ ; لِأَنَّهُ كَانَ ضَامِنًا , وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْعَارِيَّةَ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ ; لِأَنَّهُ سَلَّطَهُ عَلَى اللُّبْسِ . وَهَذَا قَوْلُ بَعْضِ الْمَشْرِقِيِّينَ . وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ قِيَاسُ قَوْلِ بَعْضِ أَصْحَابِنَا الْحِجَازِيِّينَ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِلْآثَارِ وَبِهِ نَأْخُذُ . وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا غَيْرَ أَنَّ مَكَانَ الْعَارِيَّةِ أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ تَكَارَى الثَّوْبَ كَانَ الْجَوَابُ فِيهَا كَالْجَوَابِ فِي الْأُولَى إلَّا أَنَّ الْمُسْتَكْرِي إذَا ضَمِنَ شَيْئًا رَجَعَ بِهِ عَلَى الْمُكْرِي ; لِأَنَّهُ غَرَّهُ مِنْ شَيْءٍ أَخَذَ عَلَيْهِ عِوَضًا , وَإِنَّمَا لَبِسَهُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مُبَاحٌ لَهُ بِعِوَضٍ وَيَكُونُ لِرَبِّ الثَّوْبِ أَنْ يَأْخُذَ قِيمَةَ إجَارَةِ ثَوْبِهِ .
قَالَ : وَإِذَا ادَّعَى الرَّجُلُ قَبْلَ الرَّجُلِ دَعْوَى فَسَأَلَ أَنْ يَحْلِفَ لَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَحْلَفَهُ لَهُ الْقَاضِي , ثُمَّ قَبِلَ الْبَيِّنَةَ مِنْ الْمُدَّعِي فَإِنْ ثَبَتَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ أَخَذَ لَهُ بِهَا وَكَانَتْ الْبَيِّنَةُ الْعَادِلَةُ أَوْلَى مِنْ الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ , وَسَوَاءٌ كَانَتْ بَيِّنَةُ الْمُدَّعِي الْمُسْتَحْلِفِ حُضُورًا بِالْبَلَدِ @

الصفحة 541