كتاب الأم للشافعي - ط الوفاء (اسم الجزء: 5)

مَعْنَى مَا حَمَى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لِأَهْلِ الْحَاجَةِ دُونَ أَهْلِ الْغِنَى وَجَعَلَ الْحِمَى حَوْزًا لَهُمْ خَالِصًا كَمَا يَكُونُ مَا عَمَرَ الرَّجُلُ لَهُ خَالِصًا دُونَ غَيْرِهِ , وَقَدْ كَانَ مُبَاحًا قَبْلَ عِمَارَتِهِ فَكَذَلِكَ الْحِمَى لِمَنْ حَمَى لَهُ مِنْ أَهْلِ الْحَاجَةِ , وَقَدْ كَانَ مُبَاحًا قَبْلَ يُحْمَى . قَالَ : وَبَيَانُ ذَلِكَ فِي قَوْلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه لَوْلاَ الْمَالُ الَّذِي أَحْمِلُ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا حَمَيْت عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ بِلاَدِهِمْ شِبْرًا أَنَّهُ لَمْ يَحْمِ إلَّا لِمَا يَحْمِلُ عَلَيْهِ لِمَنْ يَحْتَاجُ إلَى الْحِمَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَحْمُوا وَرَأَى إدْخَالَ الضَّعِيفِ حَقًّا لَهُ دُونَ الْقَوِيِّ فَكُلُّ مَا لَمْ يُعْمَرْ مِنْ الْأَرْضِ فَلاَ يُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَنْزِلُوا وَيَرْعَوْا فِيهِ حَيْثُ شَاءُوا إلَّا مَا حَمَى الْوَالِي لِمَصْلَحَةِ عَوَامِّ الْمُسْلِمِينَ فَجَعَلَهُ لِمَا يَحْمِلُ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مِنْ نَعَمِ الْجِزْيَةِ وَمَا يَفْضُلُ مِنْ نَعَمِ الصَّدَقَةِ فَيَعُدُّهُ لِمَنْ يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ أَهْلِهَا , وَمَا يَصِيرُ إلَيْهِ مِنْ ضَوَالِّ الْمُسْلِمِينَ وَمَاشِيَةُ أَهْلِ الضَّعْفِ دُونَ أَهْلِ الْقُوَّةِ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَكُلُّ هَذَا عَامُّ الْمَنْفَعَةِ بِوُجُوهٍ ; لِأَنَّ مَنْ حَمَلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَذَلِكَ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَمَنْ أَرْصَدَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ مِنْ مَاشِيَةِ الصَّدَقَةِ فَذَلِكَ لِجَمَاعَةِ ضُعَفَاءِ الْمُسْلِمِينَ , وَكَذَلِكَ مَنْ ضَعُفَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَرَعَيْت لَهُ مَاشِيَتَهُ فَذَلِكَ لِجَمَاعَةِ ضُعَفَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَرَ عُمَرُ رضي الله عنه أَنْ لاَ يُدْخَلَ نَعَمُ ابْنِ عَفَّانَ وَابْنِ عَوْفٍ لِقُوَّتِهِمَا فِي أَمْوَالِهِمَا وَإِنَّهُمَا لَوْ هَلَكَتْ مَاشِيَتُهُمَا لَمْ يَكُونَا مِمَّنْ يَصِيرُ كَلًّا عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَكَذَلِكَ يَصْنَعُ بِمَنْ لَهُ غِنًى غَيْرُ الْمَاشِيَةِ .
الْأَحْبَاسُ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى قَالَ جَمِيعُ مَا يُعْطِي النَّاسُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ ثَلاَثَةُ وُجُوهٍ . ثُمَّ يَتَشَعَّبُ كُلُّ وَجْهٍ مِنْهَا , وَالْعَطَايَا مِنْهَا فِي الْحَيَاةِ وَجْهَانِ , وَبَعْدَ الْوَفَاةِ وَاحِدٌ : فَالْوَجْهَانِ مِنْ الْعَطَايَا فِي الْحَيَاةِ مُفْتَرِقَا الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ , فَأَحَدُهُمَا يَتِمُّ بِكَلاَمِ الْمُعْطِي وَالْآخَرُ يَتِمُّ بِأَمْرَيْنِ , بِكَلاَمِ الْمُعْطِي وَقَبْضِ الْمُعْطَى أَوْ قَبْضِ مَنْ يَكُونُ قَبْضُهُ لَهُ قَبْضًا .@

الصفحة 104