كتاب الأم للشافعي - ط الوفاء (اسم الجزء: 5)
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَالْعَطَايَا الَّتِي تَتِمُّ بِكَلاَمِ الْمُعْطِي دُونَ أَنْ يَقْبِضَهَا الْمُعْطَى مَا كَانَ إذَا خَرَجَ بِهِ الْكَلاَمُ مِنْ الْمُعْطَى لَهُ جَائِرًا عَلَى مَا أَعْطَى لَمْ يَكُنْ لِلْمُعْطِي أَنْ يَمْلِكَ مَا خَرَجَ مِنْهُ فِيهِ الْكَلاَمُ بِوَجْهٍ أَبَدًا وَهَذِهِ الْعَطِيَّةُ الصَّدَقَاتُ الْمُحَرَّمَاتُ الْمَوْقُوفَاتُ عَلَى قَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ , أَوْ قَوْمٍ مَوْصُوفِينَ وَمَا كَانَ فِي مَعْنَى هَذِهِ الْعَطَايَا مِمَّا سُبِّلَ مَحْبُوسًا عَلَى قَوْمٍ مَوْصُوفِينَ , وَإِنْ لَمْ يُسَمَّ ذَلِكَ مُحَرَّمًا فَهُوَ مُحَرَّمٌ بِاسْمِ الْحَبْسِ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : فَإِذَا أَشْهَدَ الرَّجُلُ عَلَى نَفْسِهِ بِعَطِيَّةٍ مِنْ هَذِهِ فَهِيَ جَائِزَةٌ لِمَنْ أَعْطَاهَا , قَبَضَهَا , أَوْ لَمْ يَقْبِضْهَا , وَمَتَى قَامَ عَلَيْهِ أَخَذَهَا مِنْ يَدَيْ مُعْطِيهَا وَلَيْسَ لِمُعْطِيهَا حَبْسُهَا عَنْهُ عَلَى حَالٍ بَلْ يُجْبَرُ عَلَى دَفْعِهَا إلَيْهِ , وَإِنْ اسْتَهْلَكَ مِنْهَا شَيْئًا بَعْدَ إشْهَادِهِ بِإِعْطَائِهَا ضَمِنَ مَا اسْتَهْلَكَ كَمَا يَضْمَنُهُ أَجْنَبِيٌّ لَوْ اسْتَهْلَكَهُ ; لِأَنَّهُ إذَا خَرَجَ مِنْ مِلْكِهِ فَهُوَ وَالْأَجْنَبِيُّ فِيمَا اسْتَهْلَكَ مِنْهُ سَوَاءٌ , وَلَوْ مَاتَ مَنْ جُعِلَتْ هَذِهِ الصَّدَقَةُ عَلَيْهِ قَبْلَ قَبْضِهَا , وَقَدْ أَغَلَّتْ غَلَّةً أَخَذَ وَارِثُهُ حِصَّتَهُ مِنْ غَلَّتِهَا ; لِأَنَّ الْمَيِّتَ قَدْ كَانَ مَالِكًا لِمَا أَعْطَى , وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهُ كَمَا يَكُونُ لَهُ غَلَّةُ أَرْضٍ لَوْ غَصَبَهَا , أَوْ كَانَتْ وَدِيعَةً فِي يَدَيْ غَيْرِهِ فَجَحَدَهَا ثُمَّ أَقَرَّ بِهَا , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَبَضَ ذَلِكَ , وَلَوْ مَاتَ بِهَا قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا مَنْ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ لِوَارِثِهِ مِنْهَا شَيْءٌ وَكَانَتْ لِمَنْ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَيْهِ , وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ تَرْجِعُ مَوْرُوثَةً وَالْمَوْرُوثُ إنَّمَا يُوَرَّثُ مَا كَانَ مِلْكًا لِلْمَيِّتِ , فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُتَصَدِّقِ الْمَيِّتِ أَنْ يَمْلِكَ شَيْئًا فِي حَيَاتِهِ , وَلاَ بِحَالٍ أَبَدًا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَمْلِكَ الْوَارِثُ عَنْهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَمْلِكَ فِي حَيَاتِهِ بِحَالٍ أَبَدًا . قَالَ : وَفِي هَذَا الْمَعْنَى الْعِتْقُ , إذَا تَكَلَّمَ الرَّجُلُ يُعْتِقُ مَنْ يَجُوزُ لَهُ عِتْقُهُ تَمَّ الْعِتْقُ , وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى أَنْ يَقْبَلَهُ الْمُعْتَقُ , وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُعْتِقِ مِلْكُهُ , وَلاَ لِغَيْرِهِ مِلْكُ رِقٍّ يَكُونُ لَهُ فِيهِ بَيْعٌ , وَلاَ هِبَةٌ , وَلاَ مِيرَاثٌ بِحَالٍ .@
الصفحة 105