كتاب الأم للشافعي - ط الوفاء (اسم الجزء: 5)
وَالْوَجْهُ الثَّانِي مِنْ الْعَطَايَا فِي الْحَيَاةِ مَا أَخْرَجَهُ الْمَالِكُ مِنْ يَدِهِ مِلْكًا تَامًّا لِغَيْرِهِ بِهِبَتِهِ , أَوْ بِبَيْعِهِ وَيُوَرَّثُ عَنْهُ , وَهَذَا مِنْ الْعَطَايَا يَحِلُّ لِمَنْ أَخْرَجَهُ مِنْ يَدَيْهِ أَنْ يَمْلِكَهُ بِوُجُوهٍ , وَذَلِكَ أَنْ يَرِثَ مَنْ أَعْطَاهُ , أَوْ يَرُدَّ عَلَيْهِ الْمُعْطَى الْعَطِيَّةَ , أَوْ يَهَبَهَا لَهُ , أَوْ يَبِيعَهُ إيَّاهَا , وَهَذَا مِثْلُ النِّحَلِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ غَيْرِ الْمُحَرَّمَةِ , وَلاَ الَّتِي فِي مَعْنَاهَا بِالتَّسْبِيلِ وَغَيْرِهِ وَهَذِهِ الْعَطِيَّةُ تَتِمُّ بِأَمْرَيْنِ : إشْهَادُ مَنْ أَعْطَاهَا وَقَبَضَهَا بِأَمْرِ مَنْ أَعْطَاهَا وَالْمُحَرَّمَةُ وَالْمُسَبَّلَةُ تَجُوزُ بِلاَ قَبْضٍ . قِيلَ : تَقْلِيدُ الْهَدْيِ وَإِشْعَارُهُ وَسِيَاقُهُ وَإِيجَابُهُ بِغَيْرِ تَقْلِيدٍ يَكُونُ عَلَى مَالِكِهِ بَلاَغُهُ الْبَيْتَ وَنَحْوِهِ وَالصَّدَقَةُ فِيهِ بِمَا صَنَعَ مِنْهُ , وَلَمْ يَقْبِضْهُ مَنْ جَعَلَ لَهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ مَا تَصَدَّقَ بِهِ بِغَيْرِ حَبْسٍ مِمَّا لاَ يَتِمُّ إلَّا بِقَبْضِ مَنْ أُعْطِيهَا لِنَفْسِهِ , أَوْ قَبْضِ غَيْرِهِ لَهُ مِمَّنْ قَبَضَهُ لَهُ قَبْضُ , وَهَذَا الْوَجْهِ مِنْ الْعَطَايَا لِمُعْطِيهِ أَنْ يَمْنَعَهُ مَنْ أَعْطَاهُ إيَّاهُ مَا لَمْ يَقْبِضْهُ , وَمَتَى رَجَعَ فِي عَطِيَّتِهِ قَبْلَ قَبْضِ مَنْ أُعْطِيهِ فَذَلِكَ لَهُ , وَإِنْ مَاتَ الْمُعْطَى قَبْلَ يَقْبِضُ الْعَطِيَّةَ فَالْمُعْطِي بِالْخِيَارِ إنْ أَحَبَّ أَنْ يُعْطِيَهَا وَرَثَتَهُ عَطَاءً مُبْتَدَأً لاَ عَطَاءً مَوْرُوثًا عَنْ الْمُعْطَى ; لِأَنَّ الْمُعْطَى لَمْ يَمْلِكْهَا فَعَلَ وَذَلِكَ أَحَبُّ إلَيَّ لَهُ , وَإِنْ شَاءَ حَبَسَهَا عَنْهُمْ , وَإِنْ مَاتَ الْمُعْطِي قَبْلَ يَقْبِضُهَا الْمُعْطَى فَهِيَ لِوَرَثَةِ الْمُعْطِي ; لِأَنَّ مِلْكَهَا لَمْ يَتِمَّ لِلْمُعْطَى . قَالَ : وَالْعَطِيَّةُ بَعْدَ الْمَوْتِ هِيَ الْوَصِيَّةُ لِمَنْ أَوْصَى لَهُ فِي حَيَاتِهِ فَقَالَ : إذَا مِتُّ فَلِفُلاَنٍ كَذَا فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي الْوَصِيَّةِ مَا لَمْ يَمُتْ , فَإِذَا مَاتَ مَلَكَ أَهْلُ الْوَصَايَا وَصَايَاهُمْ بِلاَ قَبْضٍ كَانَ مِنْ الْمُعْطَى , وَلاَ بَعْدَهُ وَلَيْسَ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يَمْنَعُوهُ الْمُوصَى لَهُمْ , وَهُوَ لَهُمْ مِلْكًا تَامًّا قَالَ : وَأَصْلُ مَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ أَنَّ هَذَا مَوْجُودٌ فِي السُّنَّةِ وَالْآثَارِ , أَوْ فِيهِمَا فَفَرَّقْنَا بَيْنَهُ اتِّبَاعًا وَقِيَاسًا .
الْخِلاَفُ فِي الصَّدَقَاتِ الْمُحَرَّمَاتِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ : رحمه الله : فَخَالَفْنَا بَعْضَ النَّاسِ فِي الصَّدَقَاتِ الْمُحَرَّمَاتِ وَقَالَ مَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ مُحَرَّمَةٍ وَسَبَّلَهَا فَالصَّدَقَةُ بَاطِلٌ وَهِيَ مِلْكٌ لِلْمُتَصَدِّقِ فِي حَيَاتِهِ وَلِوَارِثِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ قَبَضَهَا مَنْ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَيْهِ , أَوْ لَمْ يَقْبِضْهَا وَقَالَ لِي بَعْضُ مَنْ يَحْفَظُ قَوْلَ قَائِلٍ هَذَا : إنَّا رَدَدْنَا الصَّدَقَاتِ الْمَوْقُوفَاتِ بِأُمُورٍ قُلْت لَهُ وَمَا هِيَ ؟ فَقَالَ : قَالَ@
الصفحة 106