كتاب الأم للشافعي - ط الوفاء (اسم الجزء: 5)
اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : أَخْبَرَنَا بِذَلِكَ أَهْلُ الْعِلْمِ مِنْ وَلَدِ فَاطِمَةَ وَعَلِيٍّ وَعُمَرَ وَمَوَالِيهِمْ وَلَقَدْ حَفِظْنَا الصَّدَقَاتِ عَنْ عَدَدٍ كَثِيرٍ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ لَقَدْ حَكَى لِي عَدَدٌ كَثِيرٌ مِنْ أَوْلاَدِهِمْ وَأَهِلِيهِمْ أَنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا يَلُونَ صَدَقَاتِهِمْ حَتَّى مَاتُوا يَنْقُلُ ذَلِكَ الْعَامَّةُ مِنْهُمْ عَنْ الْعَامَّةِ لاَ يَخْتَلِفُونَ فِيهِ , وَإِنَّ أَكْثَرَ مَا عِنْدَنَا بِالْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ مِنْ الصَّدَقَاتِ لَكَمَا وَصَفْت لَمْ يَزَلْ يَتَصَدَّقُ بِهَا الْمُسْلِمُونَ مِنْ السَّلَفِ يَلُونَهَا حَتَّى مَاتُوا وَأَنَّ نَقْلَ الْحَدِيثِ فِيهَا كَالتَّكَلُّفِ , وَإِنْ كُنَّا قَدْ ذَكَرْنَا بَعْضَهُ قَبْلَ هَذَا . فَإِذَا كُنَّا إنَّمَا أَجَزْنَا الصَّدَقَاتِ , وَفِيهَا الْعِلَلُ الَّتِي أَبْطَلَهَا صَاحِبُك بِهَا مِنْ قَوْلِ شُرَيْحٍ جَاءَ مُحَمَّدٌ بِإِطْلاَقِ الْحَبْسِ بِأَنَّهُ لاَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَالٌ مَمْلُوكًا ثُمَّ يُخْرِجُهُ مَالِكُهُ مِنْ مِلْكِهِ إلَى غَيْرِ مَالِكٍ لَهُ كُلَّهُ إلَّا بِالسُّنَّةِ وَاتِّبَاعِ الْآثَارِ فَكَيْفَ اتَّبَعْنَاهُمْ فِي إجَازَتِهَا وَإِجَازَتُهَا أَكْثَرُ وَنَتْرُكُ اتِّبَاعَهُمْ فِي أَنْ يَحُوزَهَا كَمَا حَازُوهَا , وَلَمْ يُوَلُّوهَا أَحَدًا ؟ فَقَالَ : فَمَا الْحِصَّةُ فِيهِ مِنْ الْقِيَاسِ ؟ قُلْت لَهُ لَمَّا { أَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُحْبَسَ الْأَصْلُ أَصْلُ الْمَالِ وَتُسَبَّلَ الثَّمَرَةُ } دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ أَجَازَ أَنْ يُخْرِجَهُ مَالِكُ الْمَالِ مِنْ مِلْكِهِ بِالشَّرْطِ إلَى أَنْ يَصِيرَ الْمَالُ مَحْبُوسًا لاَ يَكُنْ لِمَالِكِهِ بَيْعُهُ , وَلاَ أَنْ يَرْجِعَ إلَيْهِ بِحَالٍ كَمَا لاَ يَكُونُ لِمَنْ سَبَّلَ ثَمَرَهُ عَلَيْهِ بَيْعُ الْأَصْلِ , وَلاَ مِيرَاثِهِ فَكَانَ هَذَا مَالاً مُخَالِفًا لِكُلِّ مَالٍ سِوَاهُ ; لِأَنَّ كُلَّ مَالٍ سِوَاهُ يَخْرُجُ مِنْ مَالِكِهِ إلَى مَالِكٍ فَالْمَالِكُ يَمْلِكُ بَيْعَهُ وَهِبَتَهُ وَيَجُوزُ لِلْمَالِكِ الَّذِي أَخْرَجَهُ مِنْ مِلْكِهِ أَنْ يَمْلِكَهُ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْ يَدَيْهِ بِبَيْعٍ وَهِبَةٍ وَمِيرَاثٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ الْمِلْكِ وَيُجَامِعُ الْمَالُ الْمَحْبُوسُ الْمَوْقُوفُ الْعِتْقَ الَّذِي أَخْرَجَهُ مَالِكُهُ مِنْ مَالِهِ بِشَيْءٍ جَعَلَهُ اللَّهُ إلَى غَيْرِ مِلْكِ نَفْسِهِ , وَلَكِنْ مَلَّكَهُ مَنْفَعَةَ نَفْسِهِ بِلاَ مِلْكٍ لِرَقَبَتِهِ كَمَا مَلَّكَ الْمُحْبِسُ مِنْ جَعْلِ مَنْفَعَةِ الْمَالِ لَهُ بِغَيْرِ مِلْكٍ مِنْهُ لِرَقَبَةِ الْمَالِ وَكَانَ بِإِخْرَاجِهِ الْمِلْكَ مِنْ يَدَيْهِ مُحَرِّمًا عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يَمْلِكَ الْمَالَ بِوَجْهٍ أَبَدًا كَمَا كَانَ مُحَرِّمًا أَنْ يَمْلِكَ الْعَبْدَ بِشَيْءٍ أَبَدًا فَاجْتَمَعَا فِي مَعْنَيَيْنِ , وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ مُفَارِقَهُ@
الصفحة 110